موضوع عن الوحده الوطنيه فالوحده الوطنيه مفهوم يتالف من عنصري الوحده و الوطنيه ، وان مجموع هذين العنصرين يشكل هذا
المفهوم ، فالوحده تعنى تجميع الاشياء المتفرقه في كل واحد مطرد ، اما مفهوم الوطنيه فقد اختلف
فيه الباحثين ، ان الوطنيه هي انتماء الانسان الى دوله معينه ، يحمل جنسيتها ويدين بالولاء اليها
، على اعتبار ان الدوله ما هي سوى جماعه من الناس تستقر في اقليم محدد
وتخضع لحكومه منظمه.
وهي تعنى حب الوطن بسبب طول الانتماء اليه ، وانها تختلف بحسب رايه عن القوميه بما تعنيه
من حب للامه بسبب ترابط افرادها ببعضهم البعض، بسبب الاعتقاد ، او وحده الاصل ،
او الاشتراك بالغه والتاريخ والتماثل في ذكريات الماضي ، لكن بحسب رايه ان هناك توافق
بين الوطنيه والقوميه على اعتبار ان حب الوطن يتضمن حب الارض والوطن ، وان الوطنيه تنطبق على القوميه بشرط ان يكون الوطن هو
مجموع الاراضي التي تعيش عليها الامه وتدير سياستها الدوله ، ومثال عليها انطباق الوطنيه العربيه على القوميه
العربيه ، اضافه الى انطباق القوميه الالمانيه على الوطنيه الالمانيه على كل من جزاي المانيا ( الشرقيه
، والغربيه ) خلال فتره الحرب البارده ، ورغم ذلك قامت ينهما علاقات دبلوماسيه دوليه
، كما لو كانتا دولتين مختلفتين تماما .
ان الوحده بمفهوم الفكر السياسي المعاصر هي اتحادا اختياريا بين المجموعات التي تدرك ان وحدتها تكسبها نموا
زائدا ، وميزات اقتصاديه وسياسيه ، تعزز مكانتها العالميه.
وقد راى الباحث عادل محمد زكى صادق ان مفهوم الوطنيه استمد من مفهوم كلمه الوطن الذي هو عامل دائم
واساسي للوحده الوطنيه ، ومنها كانت كلمه وطني ، وهى ما يوصف بها كل شخص يقيم في الوطن كتعبير
عن انتمائه لمجتمعه وتفانيه في خدمته والاخلاص له ، و الاساسي في الوحده الوطنيه هو الانسان الذي يعيش
في الوطن ، والذي ارتبط به تاريخيا واجتماعيا واقتصاديا ، وكان اختياره لهذا الوطن عن طيب خاطر.
ان الوطنيه تختلف عن القوميه ، على اعتبار ان الوطنيه هي العاطفه التي تميز ولاء الانسان لبلده او قبليته
او شعبه سواء اكان ذلك في العصور القديمه ام الحديثه ، وان الولاء ياتي من
خلال الاتصال بالعوامل الطبيعيه والاجتماعيه ، وهى لا تقتصر على جماعه دون اخرى ، وهى
تنظر بشكل دائم للماضي ، اما القوميه فهي تعنى الخطه الدائمه نحو مستقبل الامه ،
وانها تقتصر على مجموعه من الناس لهم كيان الامه ، فقد تقوم فى ظل القوميه
الواحده اكثر من دوله لكل منها استقلاليتها ، وفى هذه الحاله يصبح لكل منها وطنيتها
الخاصه بها ، بينما القوميه تضم كل الدول المتفرقه وتدفعها جميعا الى الارتباط برباط عام
، وشامل مستمد من مفهومها ، وعلى ذلك تجمع القوميه عددا من الوطنيات ، ولكن
تظل الوطنيات قائمه ولا تنصهر بشكل كلي فيها ، ومثال على ذلك وطنيات الدول العربيه.
نلاحظ مما سبق ان الوطنيه هي: شعور عاطفي بالحب للبلد او الاقليم الذي يعيش عليه الفرد ،
اما القوميه فتختلف عنها في انها : تتقيد بالحب للامه التي ينتمي اليها الفرد بغض
النظر عن الاقليم الذي تعيش فيه هذه الامه ، لانها لا ترتبط بوجود الاقليم.
وقد اختلف تعريف الوحده الوطنيه عبر التاريخ ، كما اختلف بين الباحثين المحدثين ، نتيجه لاختلاف الثقافات والبيئه
الخارجيه الدوليه ، فقد راى ابو حامد الغزالي ان الوحده الوطنيهتتحقق من خلال الحاكم (الامام) ؛ لانه
هو اساس وحده الامه ، وانه محور اتفاق الادارات المتناقضه ، والشهوات المتباينه المتنافره من
خلال جمعه لها حول راى واحد ، بسبب مهابته وشدته وتاييد الامه له من خلال
تعاقد سياسي بينهم وبينه على شرط ان يقوم هذا التعاقد على الرضي لا على الاكراه
، وهذا سيودى الى القضاء على التشتت والتضامن في الجماعه من اجل السلطه.
ان الوحده الوطنيه هي تحقيق المساواه التامه في الحقوق بين الامم ، وحق الامم في تقرير مصيرها ،
واتحاد عمال جميع للامم كلهم هو البرنامج القومي للعمال والفلاحين والمثقفين الامميين ، وعلى هذا
الاساس تتحقق الوحده الامميه، اما ستالين فله تعريفان للوحده الوطنيه : اما تعريفه الاول فهو يرى ان اشتراك الافراد
في اللغه والارض والحياه الاقتصاديه او في التكوين النفسي الذي يتجلى في الخصائص التي تصف
الثقافه القوميه ، ويكون ذلك الاشتراك من خلال استقرار الافراد تاريخيا على ارض محدده، اما
تعريفه الثاني فهو يرى ان الغاء جميع الامتيازات القوميه لافراد الدوله من خلال قانون يسرى
على جميع انحاء الدوله ، ويمنع كل تقييد على حقوق الاقليات مهما كان اصلها او
دينها سيحقق ذلك الوحده الوطنيه.
ان الوحده الوطنيه هي الاثر الذي يحدث نتيجه اسباب معينه في المجتمع ، حيث تقود هذه الاسباب الى
ترابط الشعب مع بعضه البعض؛ بحيث يمنع هذا الترابط اي دعوات انفصاليه في البلاد ،
وانه لادامه الوحده الوطنيه لابد من معرفه الاسباب التي تودي الى تدميرها، مثل :انعدام الامن ،وتاكيد المصلحه الخاصه
على المصلحه العامه ،و التمييز بين المواطنين من قبل الحكومه ، ووجود محسوبيه في اجهزه
الدوله ، كما يرى نفس الباحث ان زياده الانفاق الحكومي على البرامج الاجتماعيه ليس حلا
لتحقيق الوحده الوطنيه ، بل ان افضل الحلول هو: التاكيد على الحريات الفرديه للمواطنين.
كما عرفها عددا من الباحثين العرب المعاصرين ، واختلفت تعريفاتهم حولها ايضا ، بسبب اختلاف
ثقافاتهم وتاثرهم بالمدارس الفكريه الغربيه ، واختلاف ايديولوجياتهم السياسيه ، واوضاع الدول العربيه التي نشاوا
فيها . ان الوحده الوطنيه هي قيام رابطه قويه بين مواطني دوله معينه ، تقوم على عناصر واضحه
يحس بها الجميع ويومنون بها ، ويستعدون للتضحيه في الدفاع عنها.
ويرى جواد بولس : ” انها تعنى التعايش بين المجموعات الدينيه والعرقيه داخل الدوله “.انها
تجمع كل المواطنين تحت رايه واحده من اجل تحقيق هدف سام هو فوق اي خلاف
او تحزب في ظل ولاء اسمى يدين به كل فرد من افراد المجتمع ، ويحكم
انتمائه للوطن ، بحيث يجب هذا الانتماء اي انتماء طائفي او مذهبي.
وبناء على هذين التعريفين يكون مفهومنا المعتمد للوحده الوطنيه لكن بعد ان نزيد عليهما عنصر اخر وهو
ان يكون عنصر هويه الجيش ( الموسسه العسكريه) منبثقا من الشعب بحيث يتحقق الاندماج والانصهار
بين الموسسه العسكريه وافراد الشعب بجميع فئاتهم ، وعلى هذا الاساس تكون الوحده الوطنيه حسب مفهوم هذه الدراسه
بانها تعني : تحقيق التفاعل والتلاحم والتعاضد بين جميع افراد الشعب بغض النظر عن انتماءاتهم
الايديولوجيه او الثقافيه او الدينيه او المذهبيه او الاثنيه او اللغويه او الاقليميه او الطبقيه
او العشائريه بما يساهم في تحقيق الاهداف التاليه :
1- احترام وحده البلاد ولغتها الرسميه ( لغه الاغلبيه ، وثقافتها الوطنيه)
2- تحقيق الحريه والعداله والمساواه لجميع فئات الشعب امام القانون .
3- تحقيق التفاعل السياسي والاقتصادي والاجتماعى بين الشعب والنظام السياسي بما يحقق الرفاهيه الاقتصاديه للفرد
والمجتمع.
4- التاكيد على الهويه الوطنيه للجيش ( الموسسه العسكريه ) على اعتبار انه ملك للجميع ولا يخص
فئه معينه من فئات المجتمع.
الخاتمه:
نلاحظ مما سبق ان هذا البحث قد اوضح اختلاف مفهوم الوحده الوطنيه في الدوله بين المنظرين والقاده السياسيين
، بسبب اختلاف ايدلوجيات وثقافات وبيئات كل هولاء عن بعضهم البعض ، لكن اتفقوا جميعا
على ان الوحده الوطنيه ، هي انصهار جميع ابناء الشعب في بوتقه واحده وكيان واحد ، وعدم وجود
اي صراع فيما بينهم ، بحيث يومن الجميع انهم ابناء وطن واحد ، الا ان
وسيله تحقيق ذلك قد اختلف معظم الباحثين حولها ، فبعضهم راى ان اللغه هي مصدر الوحده الوطنيه ،وبعضهم
الاخر راى ان ايمان الشعب بالحاكم وطاعته هي اساس هذه الوحده ، وبعضهم راى ان الاراده الحره
للافراد هي التي تصنع الوحده الوطنيه ، واخرون رووا ان انهاء الصراع الطبقي في المجتمع هو السبيل اليها
، وعلى هذا فان للوحده الوطنيه هدف واحد لكن وسائلها قد اختلفت باختلاف الباحثين نتيجه اختلاف اوضاعهم
عن بعضهم البعض.
العوامل الموثره على الوحده الوطنيه
اولا: العوامل الايجابيه
ثمه عوامل ايجابيه عديده تساهم في تقويه الوحده الوطنيه في الدوله، وتساعد على بروزها، وان عدم وجود احدى
هذه العوامل او مجموعه منها او جميعها، سيزيد من ضعفالوحده الوطنيه في الدوله، واهم هذه العوامل هي:
1- دور النظام السياسي في تحقيق الوحده الوطنيه من خلال عده وسائل اهمها([1]):
الادوات العسكريه من خلال الجيش الذي يسهم في تحقيق التكامل بين افراد الشعب الواحد.
الادوات الثقافيه من خلال ايجاد نظام واحد للقيم ، فعلى سبيل المثال اتبعت نيجيريا التي
تتالف من اكثر من 50 الف مجموعه سكانيه (عرقيه ، دينيه ، عشائريه ، اقليميه
…… الخ) اسلوب ، الاهتمام بالمتاحف التراثيه لنيجيريا، فرغم ان بعض المتاحف لا يمثل سوى
واحد بالمائه من السكان ، الا انه يساهم في احساس الفرد النيجيري انه ذو تاريخ
موحد وعريق ، وهذا له دور ايجابي في تحقيق الوحده الوطنيه في الدوله([2]) .
الادوات الاقتصاديه: من خلال المساواه بين افراد الشعب وخلق حاله من الرضى بغض النظر عن
الاصول السلاليه.
الادوات السياسيه والاداريه: من خلال خلق قنوات الاتصال الحكوميه والسياسيه الفعاله والقادره على اقامه الصله
بين المواطنين والدوله، وضمان تمثيل الاقليات القوميه الاثنيه المختلفه في هذه الموسسات.
كما ان قيام القائد السياسي باقامه موسسات مركزيه قويه، ومحافظه على الوحده الوطنيه، ومساهمته في تطوير المجتمع،
وانظمته السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه، وترفعه فوق الاعتبارات الطائفيه ، والعشائريه ، والاقليميه ، والعرقيه ،
والمصلحيه، سيكون له، دور في ايمان الشعب به والتفافه حوله، مما يساهم في زياده قوه الوحده الوطنيه،
اضافه الى ان فعاليه الجهاز الاداري في السلطه التنفيذيه للدوله، له دور في تنفيذ مخططات
الدوله وقراراها، فدوره في التنفيذ سيودي الى تقويه فكره الوحده الوطنيه، كما ان له دور في تجميع
فئات الشعب بغرسه لمشاعر الولاء للوطن والانتماء اليه من خلال تحقيقه للعدل بين الجميع([3]).
كما يقع على الدوله عاتق ان تسعى لانهاء الولاءات العصبويه من خلال تبني علاقات سياسيه
واجتماعيه اعلى من البناء العصبوي وهذا يتحقق من خلال([4]) :
فك حاله التعبئه النفسيه والاحتقان العصبويه في المجتمع.
تفكيك بنى العصبيات.
اعاده الشعور بالاطمئنان والثقه وبالتوازن الى الجميع على نحو ينتهي معه الخوف من الاخر ويتولد
فيه الشعور بان الدوله هي دوله الجميع، والوطن كيان مشترك للجميع، وبذلك تتولد كل اسباب
الحماسه للمشاركه الايجابيه والفعاله في تطوير الحياه الوطنيه على قاعده الشعور بالاندماج الاجتماعي، فتتحول المنافسه السياسيه بدلا
من حرب اهليه الى مباراه سياسيه نظيفه، يحكمها القانون الذي يرضى الجميع، بكل قواعده والتي
يوافق ويجمع عليها بشكل طوعي حر، ويتحقق ذلك من خلال تصحيح قواعد السلطه في الدوله،
وانتهاج الديمقراطيه ، واتخاذ موقع الحياد الكامل مع جميع الفئات، وعلى هذا الاساس تستطيع ان
تمارس دورا توحيديا وتمنع الاحزاب من استغلال العصبيات في العمل السياسي من خلال الدستور والقانون
والامن وان تجرم من يقدم على ذلك.
2- التمازح العنصري بين افراد الشعب
ويكون ذلك من خلال التزاوج والتداخل بين افراد الشعب بكل مكوناته العرقيه والدينيه المختلفه ،
ورغم ان هذه العمليه قد تطول لتوتي ثمارها الا انها يجب ان تتم من خلال
التوافق والتراضي([1])، وان يسبقها عمليه استيعاب لهذه الاقليات العرقيه، بهدف الوصول تدريجيا الى امتصاص وهضم
هذه العناصر الحضاريه والثقافيه وتياراتها الاجتماعيه المغايره للاغلبيه او للعناصر الاصليه، في بوتقه واحده، مثل
الولايات المتحده، واستراليا، ونيوزلندا، الذين استطاعوا صهر جميع العناصر الوافده في بوتقه واحده.
3- التوافق الديني والطائفي والعرقي بين افراد الشعب
ان الانتماء لطائفه او لدين معين يولد نوعا من الشعور بالوحده بين الافراد الذين ينتمون
اليه، ويثير في نفوسهم بعض العواطف والنزاعات الخاصه التي يكون لها تاثير كبير على افكارهم
واعمالهم، فالدين كان له الدور الاكبر في وحده المسلمين في المعارك الكبرى ، وله الدور
الاكبر في تحقيق امبراطوريتهم الشاسعه([2]) .
ايضا يسهم انتماء افراد الشعب لعرق واحد في شعور الافراد بالوحده فيما بينهم، بسبب سماتهم البيولوجيه او
اللغويه او الدينيه او العادات ؛ فيشعر الجميع انهم ينتمون الى هويه مشتركه مختلفه عن
الاخرين([3]) ، وهذا ينمي روح الوطنيه عندهم، فانتماء الدويلات الالمانيه قبل الوحده الالمانيه لعرق واحد هو العرق الاري قد
ساهم في وحده المانيا.
4- دور التعليم والثقافه والتربيه
للتعليم والتربيه دور في تحقيق الوحده الوطنيه من خلال التعريف بتاريخ البلاد والامم، ودراسه النظام السياسي، والشعوب والدول،
وتعريف الافراد بحقوق وطنهم وحقوقهم، وهو ما يمكن ان يحدث نوعا من الوعي لدى افراد
الشعب، بانهم ينتمون لدوله واحده، تتخطى الجماعات الصغيره، كالعائله او القبيله او القريه، ووسيله ذلك
هي المدرسه التي تساعد على احساس مشترك بالوحده الوطنيه، وان يحل الولاء للدوله محل الولاء
للقوميه. فالمدرسه تغرس في نفوس طلابها روح الحوار والمناقشه في كل ما كون عليه خلافا
في الراي، وهذا سيعودهم على المناقشه لامورهم الهامه، وسيطور الاحساس بالتسامح ازاء الاخرين المخالفين لهم،
خاصه اذا عملت المدرسه على اسقاط كل ما من شانه ان يزيد الحساسيات بين فئات
المجتمع، في مناهجها المدرسيه، حتى وان كانت تلك الاحداث صحيحه([4])، وحقيقه تاريخيه، لان القلوب لا
تتفق الا اذا اعتادت الوئام منذ الصغر.
كما ان الثقافه الواحده بما تشمله من ادب وعلم وتربيه ؛ تعبر عن الجانب المادي
والروحي في المجتمع، على اعتبار ان الحياه الاقتصاديه، والاجتماعيه للافراد تتاثر بمعتقداتهم الجماعيه واسلوبهم ووسيلتهم
في تنظيم سلوكهم وعاداتهم وتقاليدهم واخلاقهم وفنونهم، كما يكون تناقل الثقافه من جيل لاخر ،
وتاثر الاجيال بها من خلال اكتساب الفرد للخصائص الثقافيه لجماعه اخرى، بالاتصال والتفاعل، وهذا سيجعلها
مصدر قوه دافعه لاحداث التماسك والترابط داخل الجماعه، وقياداتها الذين يتصرفون وفق ثقافتهم الخاصه، كما
توثر الثقافه في سلوك الفرد وقيمه السياسيه([5])، ولها دور في تحقيق التناسق والانسجام في اداء
مختلف الموسسات والتنظيمات المشرفه على النظام السياسي، وعلى استراتيجيته في تحقيق الوحده الوطنيه.
5- دور اللغه والاعراف والعادات والتقاليد
للغه دور مهم لتحقيق الوحده الوطنيه بين افراد الشعب، لانها تقاربهم في الفكر وتجعلهم يتماثلون ويتعاطفون اكثر من
سواهم ممن يتكلم لغات اخرى وتصبح هذه اللغه سمه مميزه لهم من خلال جعلهم متماثلي
التفكير والشعور بالانتماء داخل جماعه واحده؛ لان اللغه هي واسطه التفاهم ووسيله التفكير ونقل الافكار
والمكتسبات من السلف الى الخلف، وهي العامل الاول في تنميه وتقويه الروابط العاطفيه والفكريه بين
الفرد والجماعه، فهي تزيد مجالات النشاط الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وبذلك تساهم في فعاليه الوحده الوطنيه([6]).
كما ان توافق عادات افراد المجتمع سيحدث التجانس في تصرفاتهم ويقوي الروابط بينهم، اضافه الى
ان الاعراف التي يشترك فيها ابناء الشعب، من افكار واراء ومعتقدات نشات عبر تاريخهم المشترك،
وهذا ما ينعكس على اعمالهم وسلوكهم ، ويخضع الافراد لها في فكرهم وعقائدهم، فهي تمثل
دستور لهم له قوه التوحيد عندهم، لكنه دستور غير مكتوب، الا انه يساهم في تمسكهم
به، وبالتالي سيساعد على تحقيق الوحده الوطنيه في المجتمع، ايضا التقاليد بما تمثله من مجموعه من قواعد السلوك
الخاصه، عندما يشترك فيها افراد المجتمع، فانها تساعد على حل الصراعات والنزاعات فيه، وهذا يودي
على زياده قوه الوحده الوطنيه ايضا ([7]).
6- دور التاريخ المشترك والاقاليم المشترك
يستمد افراد الشعب من خلال التاريخ، مختلف التجارب التي تكون ذاكرته واحاسيسهم من ذكرياته واحداثه
فالذكريات التاريخيه، واستعادتها تساعد على تقريب النفوس، وتوحيد الصفوف لمواجهه المصير المشترك في المستقبل، ولاسيما
في مقاومه العدوان على ارض الوطن، ذلك العدوان الموجه ضد الشعب بكل مقدساته القوميه التي
تربط بين الشعب واجداده، وهذا ما فعله كل من بسمارك وغاليباردي، عندما وحدا المانيا وايطاليا([8]).
كما ان وجود الشعب في اقليم واحد وعدم اتساع رقعه البلاد، وقصر المسافه بين الاقاليم
التابعه للعاصمه التي فيها السلطه المركزيه، يحول دون انفصال اجزاء الدوله، ويمنع افراد الاقاليم من
التفكير في الانفصال([9])، كما ان هذا القرب سيودي الى بروز جماعه من الشعب الواحد التي
تتماثل في العادات والطباع بين المواطنين؛ بسبب عدم وجود عوائق وفواصل طبيعيه، وسيزيد من الاتصال
والاندماج والمصالح المشتركه.
7- دور وسائل الاتصال الجماهيري
ان وسائل الاتصال الجماهيري من تلفزيون وراديو وصحف وسينما ومسرح، لها دور كبير في تخفيف
حده الصراعات والتناقضات الداخليه، ولها دور كبير في تقويه الشعور بالولاء والانتماء للدوله ككل، فهي
تعمل على اقناع فئات الدوله المتمايزه، بان الوطن فوق الاعتبارات العرقيه والطائفيه، ولا يوجد اي تعارض فيه
ضد مصالحها، وتبرز كل ما هو مشترك بينها من لغه وتاريخ، واقليم ومصالح، مما يزيد
الثقه داخل المجتمع، وينهي روح التعاون بينهم، ويكون ذلك من خلال النخبه المثقفه داخل المجتمع
.
كما ان هذا الجهاز له دور كبير في تزويد الشعب باراء القيادات السياسيه في الدوله،
وتعظيم تصرفاتها الى حد قبول الشعب بها، وهذا يجعلهم يقبلون بتلك القرارات، كما يبين حدود
الاختلاف بين الشوون العامه والشوون الخاصه، ويزود القياده السياسيه، برغبات وتطلعات افراد الشعب، ازاء العمليات
السياسيه([10])، وعلى هذا الاساس فله دور كبير في تضييق الهوه بين النخبه والجماهير، وله دوره
في التنشيه السياسيه والتاثير على اتجاهات ومشاعر الشعب، وتنميه ادراكهم لدولتهم، وزياده محبتهم بوطنهم، ومواجهه
الدعايه الخارجيه الضاره بالوطن.
8- دور المصالح الاقتصاديه والايديولوجيه والسياسيه بين افراد الشعب
ان وجود المصالح الاقتصاديه المشتركه بين افراد الشعب سيعزز ترابطهم ويزيد من قوه وحدتهم الوطنيه،
كما ان وجود تنميه اقتصاديه في الدوله سيسهم في تمسك الافراد نظامهم السياسي ، فاتفاقيه
(الزلفرين) بين الدويلات الالمانيه هي التي وحدت الاتحادات الجمركيه بينهم، ساهمت في تحقيق الوحده الالمانيه عام 1870(
، وبالعكس من ذلك فضعف التنميه الاقتصاديه ، والعلاقات الاقتصاديه بين الجورجيين و الابخاز ضمن
الدوله الجورجيه بعد استقلالها عن الاتحاد السوفياتي ؛ جعل الابخاز يطالبون بالانفصال عن جسم الدوله
، وتكوين دوله خاصه بهم([12]) .
ايضا ارتباط افراد الشعب بايديولوجيه واحده، او بايديولوجيات متقاربه؛ بحيث تحقق تلك الايديولوجيات المصالح بين
اعضائها، وتودي لسياسات مشتركه او تهتم بقضايا مشتركه، تهم الوطن وتساعد على تنميته الاقتصاديه والسياسيه والاجتماعيه، سيساهم
في تحقيق الوحده الوطنيه([13]).
ثانيا : العوامل السلبيه
1- عدم التوافق الديني والطائفي و الاثنى والعشائري بين افراد الشعب
ان وجود عده اديان في الدوله، واستغلال السلطه السياسيه للدين ؛ بغرض اللعب به كاداه
في يدها، سيودي الى صراعات دينيه داخل الدوله، كما تودي الطائفيه بما تعنيه من عزله
دينيه لافراد المجتمع، للقيام بتفكيك المجتمعات ؛ بسبب تكتل كل طائفه على نفسها، وهذا التكتل
سيودي الى اختلاف ثقافي وفوارق اجتماعيه، وسيحدث صراعا طائفيا في المجتمع بسبب العزله التي تفرضها
الطائفيه على افرادها، وجعلها اياهم يتعصبون، بما تحدثه من تاثير على عاطفه الفرد وتحركاته، وبما
تنتجه من خوف وشك من الاخرين ؛ بسبب شعورهم بخطر الاخرين من ابناء الشعب المخالفين
لهم بالعقيده، فلا تخلو طائفه من وجود بعض الاشخاص ضعاف النفوس والوطنيه، ممن يعملون لخلق
حاله الخلل داخل المجتمع، ثم ياتي اخرون ويربطون الاختلاف الطائفي باختلاف الراي والصراع في الحياه
العامه، فكان من نتائج ذلك ان دعت بعض القوى الحزبيه في الدوله الى تبني العلمانيه
للحفاظ على وحده المجتمع.
كما ان النزعه الفرديه لدى البدو عاده ما توثر سلبا في سلوكهم الاجتماعي، حيث تحدث
التنافس على الحكم والديكتاتوريه في الحكم، فقل على البدوي ان يسلم الواحد منهم الحكم لغيره،
ويميل البدوي الى الحرب، ويعتبر قبيلته هي مجتمعه المنفصل عن باقي المجتمع(
ويقود وجود عده قوميات اثنيه في المجتمع الفرد الى ولاء مزدوج فولاءه الاولي سيكون لصالح
مجموعته الصغيره، اما الاخر فنحو الوطن او الامه، وهذا يعيق الولاء للوطن، وينفي وجود راي عام موحد
تجاه المشاكل العامه، كما ان ذلك يودي الى ابتعاد ابناء الوطن عن التعاضد والتناصر ، وارساء المصلحه
المشتركه، وهذا يودي الى اعاقه التجانس والانصهار ين ابناء الشعب ، ومن الممكن ان يودي
الى دعوات انفصاليه في الدوله الواحده ، وقد يقود الى حرب اهليه مدمره بين ابناء الوطن الواحد
، وعلى ذلك يقول لاسكي: ” دوله مكونه من عده قوميات ليست سوى وحش مولد
ليس هناك تبرير لوجوده”([17]) ، واكبر مثال على ذلك ما حدث في افغانستان التي تتكون
من عده قوميات ، ومذاهب دينيه ، اضافه الى عشائر مختلفه ،وعلى هذا الاساس اتجه
ولاء الفرد فيها اولا لعشيرته ، ومن ثم لطائفته وقوميته ، وتسبب في حدوث حرب
اهليه مدمره فيها ؛ مما سهل التدخل الخارجي وغزوها من قبل السوفييت اولا ، وبعد
انتهاء الحرب البارده ، سيطرت فئات دينيه متطرفه –طلبان- على الحكم بعد حرب اهليه جديده
دارت رحاها بين منظمه طالبان ، وقوات احد الزعماء الافغان وهو برهان الدين رباني ،
لكن هذا النظام لم يستطع تحقيق الوحده الوطنيه في البلاد فكان من اسبابه تحالف فئات من المجموعات العرقيه
والقوميه والعشائريه المعارضه لطلبان مع الولايات المتحده وحلفائها ، واستغلال احداث الحادي عشر من سبتمبر
عام 2000 ؛ لاسقاط نظام طالبان ، و اقامه نظام اخر تويده الولايات المتحده في
ظل نظام عالمي تقوده الولايات المتحده نفسها
2- افتقار النظام السياسي الى الشرعيه
وذلك اذا فقد النظام احد عناصر الشخصيه، التي حددها كارل دويتش بما يلي
اعتراف الاحزاب والجماعات السياسيه كلها بالقوانين.
- ابن فقرة تبرز فيها نعاني الترابط بين ابناء الوطن نوظفا حروف القسم والاستعارة
- موضوع جميل عن الوحدة الوطنية