موضوع عن الصوم

مقال عن الصيام  فالصيام لغة  يطلق الصيام ويقصد بة “مطلق الامساك”؛ اي: التوقف عند جميع فعل او قول، فالصائم انما سمى ايضا لامساكة عن شهوتى البطن و الفرج، و المسافر اذا توقف عن سيرة سمى صائما، و الصامت عن الكلام صائم


ومنة قولة تعالى: {انى نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا} [مريم: 26]، و هكذا الفرس اذا امسكت عن العلف فهى صائمه، و اذا قامت فموقفها، فهى فمصامها، و صوم الماء ركوده، و صوم الريح توقفها، و صوم الشمس استواوها فكبد السماء قبيل الزوال، عند انتصاف النهار[1].
الصيام شرعا:
ان المتتبع لكلمات الفقهاء – جزاهم الله خيرا – فتعريف الصوم، يجدها جميعا مفيدة لمعني و احد، حتي ان لفظها يكاد يصبح متطابقا، و محصل هذا اجمالا: ان الصيام هو الامساك عن المفطر علي و جة مخصوص[2].
ومعني ذلك التعريف تفصيلا: ان الصيام هو امساك المكلف الذي اشتغلت ذمتة بواجب الصيام، و هو المسلم البالغ العاقل، العالم بوجوب الصيام، الناوى له، و المطيق له، غير المباح له الفطر لسفر، او مرض، و نحوهما – عن تعمد ما يفسد صومة من المفطرات؛ كاكل او شرب او جماع، او تعمد قيء و نحوه، و يصبح هذا الامساك من طلوع الفجر الثاني الصادق من يوم الصيام الي غروب شمس هذا اليوم.
فوائد فمعني شهر رمضان:
هو علم جنس مركب تركيبا اضافيا، و هكذا باقى اسماء الشهور هى من حيز علم الجنس، و هو ممنوع من الصرف للعلمية و الزياده، و هو من الرمض؛ اي: الاحتراق؛ سمى بذلك لاحتراق الذنوب فيه، او هو من الرمض كذلك، و معناه: شدة العطش؛ لان الابل يشتد عطشها فيه، اما معني “الشهر”، فلاهل اللغة فية قولان، اشهرهما: انه اسم مدة الزمان، التي يصبح مبدوها الهلال ظاهرا الي ان يستتر، و سمى الشهر بذلك لشهرتة فحاجة الناس الية فالمعاملات، و المعني الثاني: ان الشهر اسم للهلال نفسه[3].
مراحل تشريع الصيام:
ان الصيام عبادة مشروعه، و تشريع ربانى عرفتة الامم السابقة من اهل الكتاب؛ كما دل علية قولة تعالى: {يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقره: 183].
ثم جاء الاسلام ليستقر فية تشريع الصيام علي الوجة الاكمل، و ربما اقتضت حكمة الله – تعالي – ان يتدرج ذلك التشريع فمراحل، كما هو الحال فعديد من التشريعات فالاسلام؛ رحمة من الله بعباده، و تلطفا بهم، و تيسيرا عليهم.
هذا؛ و ممكن لمن تتبع مراحل ذلك التشريع العظيم ان يرتبها كالتالي:
المرحلة الاولى :الامر بصيام الثلاثة الايام البيض من جميع شهر قمري، و صيام يوم عاشوراء – العاشر من المحرم – و الحث الموكد علي ذلك.
عن جابر بن سمرة – رضى الله عنة – قال: ((كان رسول الله – صلي الله علية و سلم – يامرنا بصيام يوم عاشوراء، و يحثنا عليه، و يتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان، لم يامرنا، و لم ينهنا، و لم يتعاهدنا عنده))[4].
وعن معاذ بن جبل – رضى الله عنة -: “ان رسول الله – صلي الله علية و سلم – كان يصوم ثلاثة ايام من جميع شهر، و يصوم يوم عاشوراء، فانزل الله: {كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقره: 183]، فكان من شاء ان يصوم صام، و من شاء ان يفطر و يطعم جميع يوم مسكينا اجزاة ذلك”[5].
مساله:


فى تعيين الثلاثة الايام البيض، هل هى ثلاثة عشر، و اربعة عشر، و خمسة عشر من جميع شهر قمري؟


اتفق الفقهاء علي انه يسن صوم ثلاثة ايام من جميع شهر، و ذهب الجمهور – الحنفيه، و الشافعيه، و الحنابلة – الي استحباب كونها الايام البيض، و هى الثالث عشر، و الرابع عشر، و الخامس عشر[6]، و سميت هذة الايام بذلك؛ لتكامل ضوء الهلال فلياليها و شدة بياضه؛ فهى الايام التي تكون لياليها بيضا مستنيره، و فالحديث: ان النبى – صلي الله علية و سلم – قال: ((يا ابا ذر، اذا صمت من الشهر ثلاثة ايام، فصم ثلاث عشره، و اربع عشره، و خمس عشره))[7] ، و ربما عنون الامام البخارى – رحمة الله – ف“صحيحه” بقوله: باب صيام ايام البيض: ثلاث عشره، و اربع عشره، و خمس عشره.
ولعل من المناسب – فهذة المسالة – الا يعتقد المسلم بان الثواب بصيام ثلاثة ايام من الشهر لا يحصل الا بصيام هذة الايام بعينها، بل هو حاصل – ان شاء الله – بصيام ثلاثة ايام من الشهر مطلقا، لكنة يصوم ثلاثة البيض باعتبارها ثلاثة ايام من الشهر؛ فعن ابى هريرة – رضى الله عنة – قال: ((اوصانى خليلى – صلي الله علية و سلم – بثلاث: بصيام ثلاثة ايام من جميع شهر، و ركعتى الضحى، و ان اوتر قبل ان ارقد))[8].
المرحلة الثانيه :وهى التخيير فصيام عاشوراء، و كان هذا بعد الامر بصيام ايام معدودات، التي هى عدة ايام شهر رمضان، و هذا فقولة تعالى: {يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون * اياما معدودات…} [البقره: 183 – 184].
وقد صام النبى – صلي الله علية و سلم – عاشوراء، و امر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك[9]، و قال رسول الله – صلي الله علية و سلم -: ((ان عاشوراء يوم من ايام الله، فمن شاء صامة و من شاء تركه))[10].
المرحلة الثالثه:الترخيص بالافطار فرمضان للقادر علي الصيام، مع ايجاب الفدية عليه، فقد كان من شاء صام، و من شاء افطر و ادي الفديه؛ حيث ان الصحابة – رضى الله عنهم – كانوا قوما لم يتعودوا الصيام، و كان الصيامعليهم شديدا.
قال الله – تعالى -: {وعلي الذين يطيقونة فدية اكل مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له و ان تصوموا خير لكم ان كنتم تعلمون} [البقره: 184].
المرحلة الرابعه:نسخ ذلك الترخيص عند القدرة علي الصيام؛ و هذا بقولة – تعالى -: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقره: 185]؛ فعن سلمة بن الاكوع – رضى الله عنة – قال: لما نزلت هذة الايه: {وعلي الذين يطيقونة فدية اكل مسكين} [البقره: 184]، كان من اراد ان يفطر و يفتدي، حتي نزلت الاية التي بعدين فنسختها[11]، فصار الامر بهذة المرحلة ان جميع من شهد استهلال شهر الصوم – دخولة – من المسلمين، فقد و جب صيامة عليه، و لا رخصة له بالافطار حال كونة قادرا علي الصيام، حتي لو ادي فدية اكل مسكين.
المرحلة الخامسه:تخصيص الترخيص بالافطار فرمضان فحالين؛ الاول: المرض فالبدن الذي يشق معة الصيام، او يودى الي تاخر برء المريض، او يتسبب بزيادة مرضه، و الثاني: حال السفر؛ بان كان متلبسا بالسفر و قت طلوع الفجر، فلة فهذين الحالين ان يفطر، بعدها يقضى بعد رمضان صيام ايام، عدد ما افطرة حال المرض او السفر؛ قال تعالى: {ومن كان مريضا او علي سفر فعدة من ايام اخر} [البقره: 185) .
وقد استقر التشريع – و للة الحمد – علي هذا الوجة الاكمل بعد ان تدرج بهم، مريدا بهم اليسر، و اتمام عدة صيام الشهر المبارك، و هذا بصيامة كاملا عند عدم العذر، و بتدارك ما فات منة بعذر بالقضاء؛ قال تعالى: {يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر و لتكملوا العدة و لتكبروا الله علي ما هداكم و لعلكم تشكرون} [البقره: 185].
اما تاريخ تشريع فريضة الصوم، فقد كان هذا فشهر شعبان من السنة الثانية =للهجرة الشريفه، علي الطريقة التي استقر عليها، و ربما صامة النبى – صلي الله علية و سلم – تسع سنين.
اما كيفيتة التي استقر عليها، فهي: الامتناع عن المفطرات، من طلوع الفجر الصادق من يوم الصيام، الي غروب شمس هذا اليوم.
ومما يجدر ذكرة هنا:ان الصيام لم تكن كيفيتة ايضا فبداية تشريعه؛ فقد كان الطعام و الشرب و الجماع مباحا ليلة الصيام، بشرط الا ينام المبيت لنيه الصيام فى تلك الليلة قبل ان يفطر، ايضا الا يصلى العشاء الاخره، فان نام بعدها قام من نومه، او صلي العشاء، لم يبح له طعام او شرب او جماع بقية ليلته، حتي يفطر عند غروب شمس اليوم الاتي.
اما عدم حل الاكل ليله الصيام اذا نام قبل ان يفطر، فيدل علية قول البراء بن عازب – رضى الله عنة -: كان اصحاب محمد – صلي الله علية و سلم – اذا كان الرجل صائما فحضر الافطار فنام قبل ان يفطر، لم ياكل ليلتة و لا يومة حتي يمسي[12].
وايضا يدل علية حوادث متعدده، كان حدوثها من بعض الصحابة – رضى الله عنهم – رحمة للصائمين الي يوم الدين؛ حيث كانت سببا لنزول و حى يتلى، كان فية ترخيص بالجماع و بالطعام و الشرب ليلة الصوم، سواء نام من بيت =نية الصوم قبل ان يفطر، او صلي العشاء الاخره، ام لم يفعل ايا من الامرين، و من تلك الحوادث :
ما حدث بة عبد الله بن كعب بن ما لك – رضى الله عنة – عن ابيه: كان الناس فرمضان اذا صام الرجل، فامسي فنام، حرم علية الاكل و الشراب و النساء حتي يفطر من الغد، فرجع عمر بن الخطاب – رضى الله عنة – من عند النبى – صلي الله علية و سلم – ذات ليلة و ربما سهر عنده، فوجد امراتة ربما نامت، فارادها، فقالت: انى ربما نمت، قال: ما نمت، بعدها و قع بها، فغدا عمر الي النبى – صلي الله علية و سلم – فاخبره، فانزل الله – تبارك و تعالي – قوله: {احل لكم ليلة الصيام الرفث الي نسائكم هن لباس لكم و انتم لباس لهن علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم فتاب عليكم و عفا عنكم فالان باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم و كلوا و اشربوا حتي يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر بعدها اتموا الصيام الي الليل و لا تباشروهن و انتم عاكفون فالمساجد تلك حدود الله فلا تقربوها ايضا يبين الله اياتة للناس لعلهم يتقون} [البقره: 187][13]، و ربما حدث ايضا مع كعب بن ما لك نفسة – رضى الله عنه.
وقال البراء بن عازب – رضى الله عنه -: كان اصحاب محمد – صلي الله علية و سلم – اذا كان الرجل صائما، حضر الافطار، فنام قبل ان يفطر، لم ياكل ليلتة و لا يومة حتي يمسي، و ان قيس بن صرمة الانصارى – رضى الله عنة – كان صائما، فلما حضر الافطار اتي امراتة فقال لها: اعندك طعام؟ قالت: لا، و لكن انطلق فاطلب لك، و كان يومة يعمل، فغلبتة عيناه، فجاءتة امراته، فلما راتة قالت: خيبة لك، فلما انتصف النهار غشى عليه، فذكر هذا للنبى – صلي الله علية و سلم – فنزلت هذة الايه: {احل لكم ليلة الصيام الرفث الي نسائكم} [البقره: 187]، ففرحوا فيها فرحا شديدا، و نزلت: {وكلوا و اشربوا حتي يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر بعدها اتموا الصيام الي الليل} [البقره: 187][14].
واما تحريم الاكل و الشراب و النساء اذا صلي العشاء الاخره؛ فمما يستدل بة علي ذلك: ما و رد من قول ابن عباس – رضى الله عنهما – فسبب نزول قولة – تعالى -: {احل لكم ليلة الصيام الرفث الي نسائكم} [البقره: 187]: ان المسلمين كانوا فشهر رمضان اذا صلوا العشاء، حرم عليهم النساء و الاكل الي مثلها من القابله، بعدها ان ناسا من المسلمين اصابوا من الاكل و النساء فشهر رمضان بعد العشاء – منهم عمر بن الخطاب، رضى الله عنة – فشكوا هذا الي رسول الله – صلي الله علية و سلم – فانزل الله – تعالى -: {علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم فتاب عليكم و عفا عنكم فالان باشروهن} [البقره: 187][15].
وايضا يستدل له بقول القاسم بن محمد – رحمة الله -: ان بدء الصوم: كان يصوم الرجل من عشاء الي عشاء، فاذا نام لم يصل الي اهلة بعد ذلك، و لم ياكل و لم يشرب، حتي جاء عمر الي امراته، فقالت: انى ربما نمت، فوقع بها، و امسي قيس بن صرمة صائما، فنام قبل ان يفطر، و كانوا اذا ناموا لم ياكلوا و لم يشربوا، فاصبح صائما و كاد الصوم يقتله، فانزل الله – عز و جل – الرخصه؛ قال سبحانه: {فتاب عليكم و عفا عنكم} [البقره: 187][16].
وبذا استقر الامر علي حرمة المفطرات من اكل و شراب و جماع، و هذا من تبين الفجر الصادق الي الليل، مع اباحتها طوال الليل، بعد ان كانت هذة الاباحة مقيدة بعدم النوم، او عدم صلاة العشاء، و الله اعلم.
فائده:


كلمه {تختانون}، من قولة – تعالى -: {علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم} [البقره: 187]، هذة الكلمة هى ابلغ من كلمة (تخونون) التي تفسر بها؛ و هذا لزيادة البناء، فزيادة المبني دالة علي زيادة المعنى، و تدل كلمه{تختانون}، علي زيادة الخيانه، من حيث كثرة مقدمات الجماع، و الله اعلم[17].
مساله:


ما المقصود بتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود فقولة – تعالى -: {وكلوا و اشربوا حتي يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر…} [البقره: 187]؟
قال النبى – صلي الله علية و سلم -: ((انما هو سواد الليل و بياض النهار))[18].
وقال علية و الصلاة و السلام: ((ان الفجر ليس الذي يقول هكذا))، و جمع اصابعة – صلي الله علية و سلم – بعدها نكسها الي الارض، ((ولكن الذي يقول هكذا))، و وضع المسبحة علي المسبحه، و مد يدية – صلي الله علية و سلم[19].
يتبين مما ذكر انفا ان تبين الفجر الثاني الصادق، انما يصبح بتميز بياض النهار من سواد الليل؛ لان الفجر الاول الكاذب يبدو فالافق، بعدها يرتفع مستطيلا، بعدها يضمحل و يتلاشى، بعدها يبدو بعدة الفجر الثاني الصادق منتشرا معترضا فالافق مستطيرا، و يتميز فية البياض و السواد فالافق باستمرارهما و انتشارهما معترضين، فيحرم علي الصائم عندها المفطرات حتي دخول الليل، و هذا بغياب قرص الشمس بكمالة فالافق.
هذا؛ و لما نزلت: {حتي يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود} [البقره: 187]، و لم ينزل قولة تعالى: {من الفجر}، اجتهد الصحابة – رضى الله عنهم – فتبين معناها، فعمد عدى ابن حاتم – رضى الله عنة – الي جعل عقالين تحت و سادته، عقالا ابيض و احدث اسود، ليعرف الليل من النهار، و عمد احدث منهم الي ربط خيطين فرجليه، احدهما ابيض و الاخر اسود، فلا يزال ياكل و يشرب حتي يتبين له رئيهما، و لم يزل الامر ايضا حتي نزل قول الله – تعالى -: {من الفجر} [البقره: 187]، فتبين بذلك ان المقصود بالخيطين: خيط النهار و خيط الليل عند الفجر اذا اعترضا فالافق؛ كما ذكر انفا من بيان رسول الله – صلي الله علية و سلم – هذا بقوله: ((انما هو سواد الليل و بياض النهار))، و من تمثيلة – صلي الله علية و سلم – لصورة الفجر الصادق باصابعة الشريفه، و باحالة المسلمين الي سماع اذان عبد الله بن ام مكتوم – رضى الله عنة – فهو المعلم بدخول الفجر الصادق، و ليس اذان بلال بن رباح – رضى الله عنة – و ربما كان يوذن بليل؛ قال رسول الله – صلي الله علية و سلم -: ((ان بلالا يوذن بليل، فكلوا و اشربوا حتي يوذن ابن ام مكتوم))[20].
ومما يجدر ذكره – فى ختام ذلك المبحث -: ان صيام يوم عاشوراء لم يزل مشروعا ما مورا بة علي سبيل الندب، بعد ان خير النبى – صلي الله علية و سلم – بصيامة بعد افتراض رمضان، و مما يدل علية قول النبى – صلي الله علية و سلم -: ((هذا يوم عاشوراء، و لم يكتب عليكم صيامه، و انا صائم، فمن شاء فليصم، و من شاء فليفطر))[21]، و قولة علية الصلاة و السلام: ((ان عاشوراء يوم من ايام الله، فمن شاء صامة و من شاء تركه))[22].
بل ان النبى – صلي الله علية و سلم – ربما رغب فصوم ذلك اليوم، و اكد استحباب ذلك، حتي فعام و فاتة – صلي الله علية و سلم – و عزم – علية الصلاة و السلام – علي المداومة علي صيامة و يوم قبله؛ مخالفة لاقتصار اليهود من اهل خيبر علي تعظيم اليوم العاشر و تخصيصة بالصوم، فقال – صلوات ربى و سلامة علية -: ((فاذا كان العام المقبل – ان شاء الله – صمنا اليوم التاسع))[23] ، و قال ابن عباس – رضى الله عنهما -: فلم يات العام المقبل حتي توفى رسول الله – صلي الله علية و سلم[24].
صورة1

 



اداب الصيام واحكامه


كل عمل جليل له ادابة و احكامه؛ اداء لحقه، و حفاظا عليه، و رجاء لفضله، و من هذا الصيام. و ربما تقدم لنا من ادابة صوم كل الجوارح فالنطق و العمل؛ بل و فالتفكير، يصوم المسلم عن كل ما نهي الله؛ بل و عن بعض ما اباحة الله له.

اما احكامة فمحلها كتب و دروس الفقه، و تاتى حسب السوال و الاستفتاء بحسب ما يعرض للانسان، الا ان هنالك احكاما عامة تتصل بالاداب من جهة مراعاتها، مما ينبغى تذكير الصائم بها، و هى تتعلق بماكلة و مشربه، و افعالة و اقواله.
من هذا التحرى للماكل الحلال؛ ليصبح عونا علي طاعة الله، و ليصبح هذا تعويدا علي كسب الحلال، و التحرى عن الشبة طيلة العام؛ فيرجح اذا و زن، و يوفى اذا كال، و لا يطفف اذا اكتال، و لا يغش و لا يدلس و لا يختلس، الي غير هذا من نوعيات النقص فالمعاملات التي تدخل علية ما لا حراما؛ اذ الواجب علية المطعم الحلال دائما، و فرمضان بالاخص؛ لانة لا يليق بة الصوم عن الحلال و اباحتة لنفسة الكسب الحرام.
ثم ياتى بعد هذا اداب و احكام المطعم و المشرب، و هما و جبتا السحور و الافطار.
يعتبر السحور فرمضان خصوصية من خصوصيات هذة الامه؛ لانة لم يكن للامم الماضية فصيامهم سحور، و لذلك قال – صلي الله علية و سلم -: ((فرق ما بيننا و بينهم اكلة السحر))، اذ كان الصيام عند من قبلنا و فاول الاسلام، يحرم علي الصائم الطعام و الشرب و الوطا من حين ينام او يصلى العشاء، فايهما حصل اولا حصل بة التحريم، فيمسكون من صلاة العشاء الي الغد، حتي تغرب الشمس، و تكون لمدة الافطار هى لمدة ما بين المغرب و العشاء فقط، و اذا نام بعد المغرب و قبل العشاء حرم علية الاكل، الي ان جاء رجل من مزرعتة بعد المغرب فذهبت زوجتة تحضر له الطعام، فغلبتة عينة فنام، فلم يستطع ان ياكل و لا يشرب، و امسك لليوم الثاني و اصبح صائما، فاغمى علية فالنهار، فبلغ هذا النبى – صلي الله علية و سلم، و وقع من رجل ان جاء الي اهله، فقالت: انى ربما نمت، فظنها تمنع علية فواقعها، بعدها تبين له انه اختان نفسه، فاتي النبى – صلي الله علية و سلم – و اخبره، فاشتد هذا علي النبى – صلي الله علية و سلم، فانزل الله تعالي قوله: {علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم فتاب عليكم و عفا عنكم فالان باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم و كلوا و اشربوا حتي يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر بعدها اتموا الصيام الي الليل} [البقره: 187]، و نسخ المنع السابق، و ابيح لنا الطعام و الشرب و النساء، و مع اباحة الطعام و الشرب طيلة الليل، الا انه عمل عادي؛ لكن اكلة السحر هى الرئيسة المرتبطة بالصوم؛ و لذلك اكدها النبى – صلي الله علية و سلم؛ لانها رخصة من الله امتن فيها علينا، و من هنا يستحب تاخيرها؛ لتحقق معني امتداد الاباحة الي احدث الليل، فجاء عنة – صلي الله علية و سلم – الامر بها: ((تسحروا؛ فان فالسحور بركه)). و الامر بتاخيرها؛ لتكون عونا علي صيام النهار، كما فقولة – صلي الله علية و سلم -: ((انها بركة اعطاكم الله فلا تدعوها))، و قال: ((استعينوا بطعام السحر علي صيام النهار، و القيلولة علي قيام الليل)). و نهي – صلي الله علية و سلم – عن تقديمة فقوله: ((لا تزال امتى بخير ما عجلوا الفطر و اخروا السحور))، و ان هذا يحصل و لو بالقليل من الاكل او الشراب، كما فقولة – صلي الله علية و سلم -: ((السحور كلة بركه؛ فلا تدعوة و لو ان يجرع احدكم جرعة من ما ء؛ فان الله – عز و جل – و ملائكتة يصلون علي المتسحرين)).
وكان سحور السلف قبل الاذان بما يتسع لقراءة خمسين ايه، مع انه يجوز الي قبيل الفجر بلحظات.


اما الافطار فينبغى تعجيلة عند اول لحظة من الليل؛ اي عند تحقق دخول الوقت، كما تقدم: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر))؛ رواة البخارى و مسلم. فلا يصح لانسان بعد هذا ان يوخر الفطر امعانا فالتاكد، فقد حذر – صلي الله علية و سلم – من التاخير الي طلوع النجوم فحديث سهل بن سعد عند ابن حبان: ((لا تزال امتى علي سنتى ما لم تنتظر بفطرها النجوم)).
وفى حديث انس ايضا: “ما رايت رسول الله – صلي الله علية و سلم – قط صلي المغرب حتي يفطر، و لو علي شربة ما ء”. اما علي اي شيء يصبح افطاره؟ فجاء عنة – صلي الله علية و سلم – انه قال: ((اذا افطر احدكم، فليفطر علي تمر؛ فانة بركه، فان لم يجد تمرا فالماء؛ فانة طهور))، و جاء كذلك انه – صلي الله علية و سلم – كان يفطر علي ثلاث تمرات، او شيء لم تصبة النار.
ووردت ادعية و اذكار عند الفطر؛ لانة جاءت نصوص فان للصائم دعوة عند فطره، و من الاذكار: ((اللهم انى لك صمت، و علي رزقك افطرت)).
وفى المبادرة الي الفطر سر لطيف، هو الاشعار بان العبد ضعيف، و كان ممنوعا من رزق الله، و ربما جاء له الاذن بتناوله، فلا يجمل بة التاخر؛ بل يبادر فرحا بنعمة الله عليه، كما جاء فالحديث: ((للصائم فرحتان: اذا افطر فرح بفطره، و اذا لقى ربة فرح بصومه)).
ويستحب له ان يفطر غيرة معه؛ لقولة – صلي الله علية و سلم -: ((من فطر صائما كان له كاجر صيامه، لا ينقص من اجورهما شيئا))، و يحصل هذا و لو بمزقة لبن او نحوه.
اما ما بين السحور و الافطار، فيجتنب شبهات الافطار او ما يودى اليه، و من هذا المبالغة فالاستنشاق؛ خشية ان يسبقة الماء الي حلقه. و منها الحجامه، سواء الحاجم او المحجوم؛ اما الحاجم فخشية ان يتسرب الدم الي فمه، و اما المحجوم فخشية ان يضعف و يحتاج الي الفطر، و ذلك ما علية الجمهور، و عند الحنابلة رواية انها تفطر؛ لما و رد من الاحاديث المتعدده، فحملها الجمهور علي الكراهيه، و حملها الحنابلة علي التحريم، و لهذا بحث مستقل ان شاء الله.
كما علية ان يتجنب مثيرات القيء؛ لان اثارتة مفطره، اما اذا جاءة عفوا و غلبة فانة لا يفطر.


كما علية ان يتجنب مداعبة اهلة اذا خشى من نفسه، كما قالت عائشة – رضى الله عنها -: “كان رسول الله – صلي الله علية و سلم – يقبل نساءة و هو صائم، و ايكم املك لاربه؟!”؛ اي من رسول الله – صلي الله علية و سلم، و ربما نهي – صلي الله علية و سلم – الشباب عن التعرض لما يخشي و قوعه. كما ان علية ان يكثر من تلاوة القران، كما جاء عنة – صلي الله علية و سلم – ان جبريل – علية السلام – كان يدارسة القران فرمضان جميع سنة مره، و فالسنة الاخيرة دارسة القران مرتين؛ احياء لبدء نزولة فرمضان.
وان يكثر من الصدقات، كما جاء عنة – صلي الله علية و سلم – انه كان اجود ما يصبح فرمضان، حينما يدارسة جبريل القران.
اقسام الصيام
1- صوم هو فرض: و ذلك محصور فصوم رمضان، اعتقادا و عملا، اداء و قضاء.
‏وادخل فهذا القسم – من جهة العمل فقط لا الاعتقاد – صوم الكفارات: كفارة الظهار، و كفارة القتل، و كفارة اليمين، و كفارة الصيد، و فدية الاذي فالاحرام (الجانب الصيامى من هذة الكفارات) [1].
2- صوم هو و اجب: و ذلك كما في الصيام المنذور، و صوم التطوع بعد الشروع فيه[2]، و الصوم فالاعتكاف المنذور.
3- صوم هو مسنون: كصوم اليوم العاشر من المحرم مع اقترانة بصوم التاسع.
4- صوم هو مندوب: و هو جميع صوم ثبت بالسنة طلبة و الوعد عليه؛ كصوم داود – علية السلام – و صوم ثلاثة ايام من جميع شهر، و يندب بها ان تكون الايام البيض.
5- صوم النفل: و هو ما سواه؛ ما لم تثبت كراهيته.
6- صوم مكروة تحريما: و هو صوم ايام التشريق و العيدين.
7- صوم مكروة تنزيها: كصوم عاشوراء مفردا، و ايام الاعياد لغير المسلمين[3].
الشروط المطلوب توفرها فصوم رمضان:
شروط الصوم متعدده، منها ما يعود الي الوجوب، و منها ما يعود الي و جوب الاداء، و منها ما يعود الي صحة الاداء، و اليك هي:
اولا: الشروط المطلوب و جودها فالانسان حتي يجب علية الصيام:
1- الاسلام.
2- العقل، و ربما اختلف فية لدي علماء المذهب؛ فقال البعض: هو ليس بشرط لوجوب و لا لاداء، و قال البعض: هو شرط لوجوب الاداء، و هو لعامة المشايخ؛ مستدلين بوجوب القضاء علي المغمي عليه، و النائم بعد الافاقة و الانتباه، بعد مضى بعض الشهر او كله، هكذا المجنون اذا افاق فبعض الشهر.
وعند اهل التحقيق: انه شرط للوجوب، فاذا افاق فالليلة الاولى، بعدها اصبح مجنونا و استوعب الشهر كله، لا قضاء عليه، و هو الصحيح، و علية الفتوى.
3- البلوغ.
4- العلم بالوجوب، و هذا كمن يسلم فدار الحرب، و لم يعلم ان علية صوم رمضان، بعدها علم، ليس علية قضاء ما مضى، و لو اسلم فدار الاسلام، و جب علية قضاء ما مضي بعد الاسلام، علم بالوجوب ام لا[4].
صورة2

 



ثانيا: شروط و جوب الاداء:
1- الصحه، و من كان مريضا، لا يجب علية اداوة فو قته.
2- الاقامه، و من كان غير مقيم – اي: مسافرا – لا يجب علية اداوة فو قته؛ و فهذا قولة -تعالي -: {فمن كان منكم مريضا او علي سفر فعدة من ايام اخر} [البقره: 184].
ثالثا: شروط صحة الاداء:
1- ان يصبح مسلما.
2- الطهارة عن الاعذار التي لا يقبل بوجودها الصوم، كالحيض و النفاس.
3- النيه؛ اذ لابد من و جودها، و الا ما كانت عباده، بل عاده.
حكمه:
1- ان كان رمضان، و ادي المسلم ما افترض عليه، فقد سقط عنة الفرض، و نال ثوابة المستحق، و ان لم يود ما افترض عليه، فقد علقت بذمتة هذة الفريضه، و استحق الاثم و العقاب.
2- و ايضا فيما يعتبر من باب الواجبات، سوي انه اقل من مرتبة الفرض، ثوابا، و اثما.
موضع النية من الصوم و ما يشترط فيها:
1- النيه؛ كما علمت انها شرط من شروط الصحة لاى صوم كان، و فيها تتميز العبادة عن العاده، و النية فاللغه: عبارة عن عزم القلب علي الشيء.
2- و اما فالاصطلاح، فهى عبارة عن قصد الطاعة و التقرب الي الله – تعالي – فايجاد الفعل، و هى فالصوم: ان يعرف بقلبة انه صوم، قربة و طاعه.
3- و قت النيه:
لنية و قتان: و قت ادنى، و وقت اقصى، او بداية و نهايه.
اما الادني (او البدايه)، فهى تكون بعد غروب اليوم، و لا يصح ان تكون قبل الغروب، و اما الاقصي (او النهايه)، فهى تكون ما لم يبتدا نص النهار[5].
هذا اذا كان الصوم صوم رمضان، او نذر معين، او نفل، فكل هذة الاقسام تجزئها النية من بعد الغروب الي ما قبل نص النهار؛ اي: النهار نفسة الذي عزم علي صومه، و فيما عدا هذا من نوعيات الصيام، كالقضاء، و الكفارات، و المنذور المطلق، لابد بها من و جود النية فالليل؛ اي: قبل طلوع الفجر الذي يصومه[6].
وعند الشافعية لابد من تبييت النية من الليل، فيما عدا النفل فقط؛ مستدلين بما رواة الدارقطنى و غيره: انه – صلي الله علية و سلم – قال: ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له))، و صحت النية لنفل قبل الزوال؛ بناء علي ما و رد: انه – صلي الله علية و سلم – دخل علي عائشة ذات يوم، فقال: ((هل عندكم شيء؟))، قالت: لا، قال: ((انى اذا اصوم))، قالت: و دخل على يوما اخر، فقال: ((اعندكم شيء؟))، قلت: نعم، قال: ((اذا افطر)) [7].
وقال المالكيه: انه لابد من تبييت النية من الليل فسائر نوعيات الصيام، المفروض منها و غيرها.
وقال الاحناف – فمعرض الاحتجاج لما ذهبوا الية و الرد علي الاخرين -:
1- ما و رد فالصحيحين فيوم عاشوراء: ((من طعام فليمسك بقية يومه، و من لم يكن طعام فليصم))، و كان صومة فرضا حتي فرض رمضان، فصار سنه، و هو يدل علي انه من تعين علية صوم يوم و لم ينوة ليلا، تجزئة النية نهارا.
2- ما و رد من: ((لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل)) يحمل علي الاكمل او الكمال؛ لانة الاروع من جميع صوم، و انه ينوى و قت طلوع الفجر ان امكنة او من الليل.
وكان اقصي و قت للنية ما لم ينتصف النهار؛ نظرا لما و رد فالصحيحين، و هى و اقعة حال تحتمل اوجه؛ اذ لا عموم لها فجميع اجزاء النهار.
واحتمل كون اجازة الصوم فتلك الواقعة لوجود النية بها اكثر.
واحتمل كونها للتجويز فالنهار مطلقا فالواجب، فقلنا بالاول؛ لانة الاحوط، فضلا عن ان للاكثر من الشيء الواحد حكم الكل، و الصوم كلة و احد ممتد، فبالوجود فاخرة يعتبر قيامها فكله، و حددت النية الي ما قبل نص النهار؛ ليصبح اكثر اليوم منويا[8].
التعيين فالنيه:
1- اذا كان الصوم صوم رمضان، او صوما منذورا، او نفلا، يكفى التعيين بمطلق النيه، و بنية النفل؛ و هذا لان رمضان لا يتسع لغيره، فهو فرض معين، فايا ما نوي و قع علي رمضان.
2- ما روى عن على و عائشة – رضى الله عنهما – انهما كانا يصومان يوم الشك، و يقولان: “لان نصوم يوما من شعبان احب الينا من ان نفطر يوما من رمضان”.

موضوع عن الصوم