تفسير سوره الحشر كامله
موضوعنا اليوم موضوع جميل جدا وهو اسلامى اى تفسير سوره الحشر كامله ومن احب السور
على قلبى سوره الحشر فيارب تستفادو منها على قدر المستطاع
{ 1-7 } { بسم الله الرحمن الرحيم سبح لله ما في السماوات وما في
الرض وهو العزيز الحكيم * هو الذي خرج الذين كفروا من هل الكتاب من ديارهم
لول الحشر ما ظننتم ن يخرجوا وظنوا نهم مانعتهم حصونهم من الله فتاهم الله من
حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بيديهم ويدي المؤمنين فاعتبروا يا ولي
البصار }
لى خر القصه.
هذه السوره تسمى { سوره بني النضير } وهم طائفه كبيره من اليهود في جانب
المدينه، وقت بعثه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم،
وهاجر لى المدينه، كفروا به في جمله من كفر من اليهود، فلما هاجر النبي صلى
الله عليه وسلم لى المدينه هادن سائر طوائف اليهود الذين هم جيرانه في المدينه، فلما
كان بعد [وقعه] بدر بسته شهر و نحوها، خرج ليهم النبي صلى الله عليه وسلم،
وكلمهم ن يعينوه في ديه الكلابيين الذين قتلهم عمرو بن ميه الضمري، فقالوا: نفعل يا
با القاسم، اجلس هاهنا حتى نقضي حاجتك، فخلا بعضهم ببعض، وسول لهم الشيطان الشقاء الذي
كتب عليهم، فتمروا بقتله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يكم يخذ هذه الرحى فيصعد فيلقيها
على رسه يشدخه بها؟ فقال شقاهم عمرو بن جحاش: نا، فقال لهم سلام بن مشكم:
لا تفعلوا، فوالله ليخبرن بما هممتم به، ونه لنقض العهد الذي بيننا وبينه، وجاء الوحي
على الفور ليه من ربه، بما هموا به، فنهض مسرعا، فتوجه لى المدينه، ولحقه صحابه،
فقالوا: نهضت ولم نشعر بك، فخبرهم بما همت يهود به.
وبعث ليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ن اخرجوا من المدينه ولا تساكنوني بها،
وقد جلتكم عشرا، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه”
فقاموا ياما يتجهزون، ورسل ليهم المنافق عبد الله بن بي [بن سلول]: “ن لا تخرجوا
من دياركم، فن معي لفين يدخلون معكم حصنكم، فيموتون دونكم، وتنصركم قريظه وحلفاؤكم من غطفان”.
وطمع رئيسهم حيي بن خطب فيما قال له، وبعث لى رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: نا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك.
فكبر رسول الله صلى عليه وسلم وصحابه، ونهضوا ليهم، وعلي بن بي طالب يحمل اللواء.
فقاموا على حصونهم يرمون بالنبل والحجاره، واعتزلتهم قريظه، وخانهم ابن بي وحلفاؤهم من غطفان، فحاصرهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطع نخلهم وحرق. فرسلوا ليه: نحن نخرج من المدينه،
فنزلهم على ن يخرجوا منها بنفوسهم، وذراريهم، ون لهم ما حملت بلهم لا السلاح، وقبض
رسول الله صلى الله عليه وسلم، الموال والسلاح.
وكانت بنو النضير، خالصه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لنوائبه ومصالح المسلمين، ولم يخمسها،
لن الله فاءها عليه، ولم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب، وجلاهم لى خيبر وفيهم
حيي بن خطب كبيرهم، واستولى على رضهم وديارهم، وقبض السلاح، فوجد من السلاح خمسين درعا،
وخمسين بيضه، وثلاثمائه وربعين سيفا، هذا حاصل قصتهم كما ذكرها هل السير.
فافتتح تعالى هذه السوره بالخبار ن جميع من في السماوات والرض تسبح بحمد ربها، وتنزهه
عما لا يليق بجلاله، وتعبده وتخضع لجلاله لنه العزيز الذي قد قهر كل شيء، فلا
يمتنع عليه شيء، ولا يستعصي عليه مستعصي الحكيم في خلقه ومره، فلا يخلق شيئا عبثا،
ولا يشرع ما لا مصلحه فيه، ولا يفعل لا ما هو مقتضى حكمته.
ومن ذلك، نصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم على الذين كفروا من هل الكتاب
من بني النضير حين غدروا برسوله فخرجهم من ديارهم ووطانهم التي لفوها وحبوها.
وكان خراجهم منها ول حشر وجلاء كتبه الله عليهم على يد رسوله محمد صلى الله
عليه وسلم، فجلوا لى خيبر، ودلت اليه الكريمه ن لهم حشرا وجلاء غير هذا، فقد
وقع حين جلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر، ثم عمر رضي الله عنه،
[خرج بقيتهم منها].
{ ما ظننتم } يها المسلمون { ن يخرجوا } من ديارهم، لحصانتها، ومنعتها، وعزهم
فيها.
{ وظنوا نهم مانعتهم حصونهم من الله } فعجبوا بها وغرتهم، وحسبوا نهم لا ينالون
بها، ولا يقدر عليها حد، وقدر الله تعالى وراء ذلك كله، لا تغني عنه الحصون
والقلاع، ولا تجدي فيهم القوه والدفاع.
ولهذا قال: { فتاهم الله من حيث لم يحتسبوا } ي: من المر والباب، الذي
لم يخطر ببالهم ن يؤتوا منه، وهو نه تعالى { قذف في قلوبهم الرعب }
وهو الخوف الشديد، الذي هو جند الله الكبر، الذي لا ينفع معه عدد ولا عده،
ولا قوه ولا شده، فالمر الذي يحتسبونه ويظنون ن الخلل يدخل عليهم منه ن دخل
هو الحصون التي تحصنوا بها، واطمنت نفوسهم ليها، ومن وثق بغير الله فهو مخذول، ومن
ركن لى غير الله فهو عليه وبال فتاهم مر سماوي نزل على قلوبهم، التي هي
محل الثبات والصبر، و الخور والضعف، فزال الله قوتها وشدتها، وورثها ضعفا وخورا وجبنا، لا
حيله لهم ولا منعه معه فصار ذلك عونا عليهم، ولهذا قال: { يخربون بيوتهم بيديهم
ويدي المؤمنين } وذلك نهم صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم، على ن لهم ما
حملت البل.
فنقضوا لذلك كثيرا من سقوفهم، التي استحسنوها، وسلطوا المؤمنين بسبب بغيهم على خراب ديارهم وهدم
حصونهم، فهم الذين جنوا على نفسهم، وصاروا من كبر عون عليها، { فاعتبروا يا ولي
البصار } ي: البصائر النافذه، والعقول الكامله، فن في هذا معتبرا يعرف به صنع الله
تعالى في المعاندين للحق، المتبعين لهوائهم، الذين لم تنفعهم عزتهم، ولا منعتهم قوتهم، ولا حصنتهم
حصونهم، حين جاءهم مر الله، ووصل ليهم النكال بذنوبهم، والعبره بعموم اللفظ لا بخصوص السبب،
فن هذه اليه تدل على المر بالاعتبار، وهو اعتبار النظير بنظيره، وقياس الشيء على مثله،
والتفكر فيما تضمنته الحكام من المعاني والحكم التي هي محل العقل والفكره، وبذلك يزداد العقل،
وتتنور البصيره ويزداد اليمان، ويحصل الفهم الحقيقي، ثم خبر تعالى ن هؤلاء اليهود لم يصبهم
جميع ما يستحقون من العقوبه، ون الله خفف عنهم.
فلولا نه كتب عليهم الجلاء الذي صابهم وقضاه عليهم وقدره بقدره الذي لا يبدل ولا
يغير، لكان لهم شن خر من عذاب الدنيا ونكالها، ولكنهم – ون فاتهم العذاب الشديد
الدنيوي – فن لهم في الخره عذاب النار، الذي لا يمكن ن يعلم شدته لا
الله تعالى، فلا يخطر ببالهم ن عقوبتهم قد انقضت وفرغت ولم يبق لهم منها بقيه،
فما عد الله لهم من العذاب في الخره عظم وطم.
وذلك لنهم { شاقوا الله ورسوله } وعادوهما وحاربوهما، وسعوا في معصيتهما.
وهذه عادته وسنته فيمن شاقه { ومن يشاق الله فن الله شديد العقاب }
ولما لام بنو النضير رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين في قطع النخيل والشجار،
وزعموا ن ذلك من الفساد، وتوصلوا بذلك لى الطعن بالمسلمين، خبر تعالى ن قطع النخيل
ن قطعوه و بقاءهم ياه ن بقوه، نه بذنه تعالى، ومره { وليخزي الفاسقين }
حيث سلطكم على قطع نخلهم، وتحريقها، ليكون ذلك نكالا لهم، وخزيا في الدنيا، وذلا يعرف
به عجزهم التام، الذي ما قدروا على استنقاذ نخلهم، الذي هو ماده قوتهم. واللينه: اسم
يشمل سائر النخيل على صح الاحتمالات وولاها، فهذه حال بني النضير، وكيف عاقبهم الله في
الدنيا.
ثم ذكر من انتقلت ليه موالهم ومتعتهم، فقال: { وما فاء الله على رسوله منهم
} ي: من هل هذه القريه، وهم بنو النضير.
{ ف } نكم يا معشر المسلمين { ما وجفتم } ي: ما جلبتم وسرعتم
وحشدتم، { عليه من خيل ولا ركاب } ي: لم تتعبوا بتحصيلها، لا بنفسكم ولا
بمواشيكم، بل قذف الله في قلوبهم الرعب، فتتكم صفوا عفوا، ولهذا. قال: { ولكن الله
يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير } من تمام قدرته نه
لا يمتنع منه ممتنع، ولا يتعزز من دونه قوي. وتعريف الفيء في اصطلاح الفقهاء: هو
ما خذ من مال الكفار بحق، من غير قتال، كهذا المال الذي فروا وتركوه خوفا
من المسلمين، وسمي فيئا، لنه رجع من الكفار الذين هم غير مستحقين له، لى المسلمين
الذين لهم الحق الوفر فيه.
وحكمه العام، كما ذكره الله في قوله { ما فاء الله على رسوله من هل
القرى } عموما، سواء فاء الله في وقت رسوله و بعده، لمن يتولى من بعده
مته
{ فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } وهذه اليه نظير اليه التي
في سوره النفال، في قوله: { واعلموا نما غنمتم من شيء فن لله خمسه وللرسول
ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل }
فهذا الفيء يقسم خمسه قسام:
خمس لله ولرسوله يصرف في مصالح المسلمين [العامه]، وخمس لذوي القربى، وهم: بنو هاشم وبنو
المطلب، حيث كانوا يسوى [فيه] بين، ذكورهم وناثهم، ونما دخل بنو المطلب في خمس الخمس،
مع بني هاشم، ولم يدخل بقيه بني عبد مناف، لنهم شاركوا بني هاشم في دخولهم
الشعب، حين تعاقدت قريش على هجرهم وعداوتهم فنصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بخلاف
غيرهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، في بني عبد المطلب: “نهم لم يفارقوني
في جاهليه ولا سلام”
وخمس لفقراء اليتامى، وهم: من لا ب له ولم يبلغ، وخمس للمساكين، وسهم لبناء السبيل،
وهم الغرباء المنقطع بهم في غير وطانهم.
ونما قدر الله هذا التقدير، وحصر الفيء في هؤلاء المعينين ل { كي لا يكون
دوله } ي: مدواله واختصاصا { بين الغنياء منكم } فنه لو لم يقدره، لتداولته
الغنياء القوياء، ولما حصل لغيرهم من العاجزين منه شيء، وفي ذلك من الفساد، ما لا
يعلمه لا الله، كما ن في اتباع مر الله وشرعه من المصالح ما لا يدخل
تحت الحصر، ولذلك مر الله بالقاعده الكليه والصل العام، فقال: { وما تاكم الرسول فخذوه
وما نهاكم عنه فانتهوا } وهذا شامل لصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه، ون ما جاء
به الرسول يتعين على العباد الخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته، ون نص الرسول على
حكم الشيء كنص الله تعالى، لا رخصه لحد ولا عذر له في تركه، ولا يجوز
تقديم قول حد على قوله، ثم مر بتقواه التي بها عماره القلوب والرواح [والدنيا والخره]،
وبها السعاده الدائمه والفوز العظيم، وبضاعتها الشقاء البدي والعذاب السرمدي، فقال: { واتقوا الله ن
الله شديد العقاب } على من ترك التقوى، وثر اتباع الهوى.
(8) ثم ذكر تعالى الحكمه والسبب الموجب لجعله تعالى الموال موال الفيء لمن قدرها له،
ونهم حقيقون بالعانه، مستحقون لن تجعل لهم، ونهم ما بين مهاجرين قد هجروا المحبوبات والملوفات،
من الديار والوطان والحباب والخلان والموال، رغبه في الله ونصره لدين الله، ومحبه لرسول الله،
فهؤلاء هم الصادقون الذين عملوا بمقتضى يمانهم، وصدقوا يمانهم بعمالهم الصالحه والعبادات الشاقه، بخلاف من
ادعى اليمان وهو لم يصدقه بالجهاد والهجره وغيرهما من العبادات، وبين نصار وهم الوس والخزرج
الذين منوا بالله ورسوله طوعا ومحبه واختيارا، وووا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنعوه
من الحمر والسود، وتبووا دار الهجره واليمان حتى صارت موئلا ومرجعا يرجع ليه المؤمنون، ويلج
ليه المهاجرون، ويسكن بحماه المسلمون ذ كانت البلدان كلها بلدان حرب وشرك وشر، فلم يزل
نصار الدين توي لى النصار، حتى انتشر السلام وقوي، وجعل يزيد شيئا شيئا فشيئا، وينمو
قليلا قليلا، حتى فتحوا القلوب بالعلم واليمان والقرن، والبلدان بالسيف والسنان.
الذين من جمله وصافهم الجميله نهم { يحبون من هاجر ليهم } وهذا لمحبتهم لله
ولرسوله، حبوا حبابه، وحبوا من نصر دينه.
{ ولا يجدون في صدورهم حاجه مما وتوا } ي: لا يحسدون المهاجرين على ما
تاهم الله من فضله وخصهم به من الفضائل والمناقب التي هم هلها، وهذا يدل على
سلامه صدورهم، وانتفاء الغل والحقد والحسد عنها.
ويدل ذلك على ن المهاجرين، فضل من النصار، لن الله قدمهم بالذكر، وخبر ن النصار
لا يجدون في صدورهم حاجه مما وتوا، فدل على ن الله تعالى تاهم ما لم
يؤت النصار ولا غيرهم، ولنهم جمعوا بين النصره والهجره.
وقوله: { ويؤثرون على نفسهم ولو كان بهم خصاصه } ي: ومن وصاف النصار التي
فاقوا بها غيرهم، وتميزوا بها على من سواهم، اليثار، وهو كمل نواع الجود، وهو اليثار
بمحاب النفس من الموال وغيرها، وبذلها للغير مع الحاجه ليها، بل مع الضروره والخصاصه، وهذا
لا يكون لا من خلق زكي، ومحبه لله تعالى مقدمه على محبه شهوات النفس ولذاتها،
ومن ذلك قصه النصاري الذي نزلت اليه بسببه، حين ثر ضيفه بطعامه وطعام هله وولاده
وباتوا جياعا، واليثار عكس الثره، فاليثار محمود، والثره مذمومه، لنها من خصال البخل والشح، ومن
رزق اليثار فقد وقي شح نفسه { ومن يوق شح نفسه فولئك هم المفلحون }
ووقايه شح النفس، يشمل وقايتها الشح، في جميع ما مر به، فنه ذا وقي العبد
شح نفسه، سمحت نفسه بوامر الله ورسوله، ففعلها طائعا منقادا، منشرحا بها صدره، وسمحت نفسه
بترك ما نهى الله عنه، ون كان محبوبا للنفس، تدعو ليه، وتطلع ليه، وسمحت نفسه
ببذل الموال في سبيل الله وابتغاء مرضاته، وبذلك يحصل الفلاح والفوز، بخلاف من لم يوق
شح نفسه، بل ابتلي بالشح بالخير، الذي هو صل الشر ومادته، فهذان الصنفان، الفاضلان الزكيان
هم الصحابه الكرام والئمه العلام، الذين حازوا من السوابق والفضائل والمناقب ما سبقوا به من
بعدهم، ودركوا به من قبلهم، فصاروا عيان المؤمنين، وسادات المسلمين، وقادات المتقين
وحسب من بعدهم من الفضل ن يسير خلفهم، ويتم بهداهم، ولهذا ذكر الله من اللاحقين،
من هو مؤتم بهم وسائر خلفهم فقال: { والذين جاءوا من بعدهم } ي: من
بعد المهاجرين والنصار { يقولون } على وجه النصح لنفسهم ولسائر المؤمنين: { ربنا اغفر
لنا ولخواننا الذين سبقونا باليمان }
وهذا دعاء شامل لجميع المؤمنين، السابقين من الصحابه، ومن قبلهم ومن بعدهم، وهذا من فضائل
اليمان ن المؤمنين ينتفع بعضهم ببعض، ويدعو بعضهم لبعض، بسبب المشاركه في اليمان المقتضي لعقد
الخوه بين المؤمنين التي من فروعها ن يدعو بعضهم لبعض، ون يحب بعضهم بعضا.
ولهذا ذكر الله في الدعاء نفي الغل عن القلب، الشامل لقليل الغل وكثيره الذي ذا
انتفى ثبت ضده، وهو المحبه بين المؤمنين والموالاه والنصح، ونحو ذلك مما هو من حقوق
المؤمنين.
فوصف الله من بعد الصحابه باليمان، لن قولهم: { سبقونا باليمان } دليل على المشاركه
في اليمان ونهم تابعون للصحابه في عقائد اليمان وصوله، وهم هل السنه والجماعه، الذين لا
يصدق هذا الوصف التام لا عليهم، ووصفهم بالقرار بالذنوب والاستغفار منها، واستغفار بعضهم لبعض، واجتهادهم
في زاله الغل والحقد عن قلوبهم لخوانهم المؤمنين، لن دعاءهم بذلك مستلزم لما ذكرنا، ومتضمن
لمحبه بعضهم بعضا، ون يحب حدهم لخيه ما يحب لنفسه ون ينصح له حاضرا وغائبا،
حيا وميتا، ودلت اليه الكريمه [على] ن هذا من جمله حقوق المؤمنين بعضهم لبعض، ثم
ختموا دعاءهم باسمين كريمين، دالين على كمال رحمه الله وشده رفته وحسانه بهم، الذي من
جملته، بل من جله، توفيقهم للقيام بحقوق الله وحقوق عباده.
فهؤلاء الصناف الثلاثه هم صناف هذه المه، وهم المستحقون للفيء الذي مصرفه راجع لى مصالح
السلام.
وهؤلاء هله الذين هم هله، جعلنا الله منهم، بمنه وكرمه.
ثم تعجب تعالى من حال المنافقين، الذين طمعوا خوانهم من هل الكتاب، في نصرتهم، وموالاتهم
على المؤمنين، ونهم يقولون لهم: { لئن خرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم حدا بدا
} ي: لا نطيع في عدم نصرتكم حدا يعذلنا و يخوفنا، { ون قوتلتم لننصرنكم
والله يشهد نهم لكاذبون } في هذا الوعد الذي غروا به خوانهم.
ولا يستكثر هذا عليهم، فن الكذب وصفهم، والغرور والخداع، مقارنهم، والنفاق والجبن يصحبهم، ولهذا كذبهم
[الله] بقوله، الذي وجد مخبره كما خبر الله به، ووقع طبق ما قال، فقال: {
لئن خرجوا } من ديارهم جلاء ونفيا { لا يخرجون معهم } لمحبتهم للوطان، وعدم
صبرهم على القتال، وعدم وفائهم بوعدهم
{ ولئن قوتلوا لا ينصرونهم } بل يستولي عليهم الجبن، ويملكهم الفشل، ويخذلون خوانهم، حوج
ما كانوا ليهم.
{ ولئن نصروهم } على الفرض والتقدير { ليولن الدبار ثم لا ينصرون } ي:
ليحصل منهم الدبار عن القتال والنصره، ولا يحصل لهم نصر من الله.
والسبب الذي وجب لهم ذلك نكم – يها المؤمنون – { شد رهبه في صدورهم
من الله } فخافوا منكم عظم مما يخافون الله، وقدموا مخافه المخلوق الذي لا يملك
لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا، على مخافه الخالق، الذي بيده الضر والنفع، والعطاء والمنع.
{ ذلك بنهم قوم لا يفقهون } مراتب المور، ولا يعرفون حقائق الشياء، ولا يتصورون
العواقب، ونما الفقه كل الفقه، ن يكون خوف الخالق ورجاؤه ومحبته مقدمه على غيرها، وغيرها
تبعا لها.
{ 14 } { لا يقاتلونكم جميعا } ي: في حال الاجتماع { لا في
قرى محصنه و من وراء جدر } ي: لا يثبتون لقتالكم ولا يعزمون عليه، لا
ذا كانوا متحصنين في القرى، و من وراء الجدر والسوار.
فنهم ذ ذاك ربما يحصل منهم امتناع، اعتمادا [على] حصونهم وجدرهم، لا شجاعه بنفسهم، وهذا
من عظم الذم، { بسهم بينهم شديد } ي: بسهم فيما بينهم شديد، لا فه
في بدانهم ولا في قوتهم، ونما الفه في ضعف يمانهم وعدم اجتماع كلمتهم، ولهذا قال:
{ تحسبهم جميعا } حين تراهم مجتمعين ومتظاهرين.
{ و } لكن { قلوبهم شتى } ي: متباغضه متفرقه متشتته.
{ ذلك } الذي وجب لهم اتصافهم بما ذكر { بنهم قوم لا يعقلون }
ي: لا عقل عندهم، ولا لب، فنهم لو كانت لهم عقول، لثروا الفاضل على المفضول،
ولما رضوا لنفسهم ببخس الخطتين، ولكانت كلمتهم مجتمعه، وقلوبهم مؤتلفه، فبذلك يتناصرون ويتعاضدون، ويتعاونون على
مصالحهم ومنافعهم الدينيه والدنيويه.
مثل هؤلاء المخذولين من هل الكتاب، الذين انتصر الله لرسوله منهم، وذاقهم الخزي في الحياه
الدنيا.
وعدم نصر من وعدهم بالمعاونه { كمثل الذين من قبلهم قريبا } وهم كفار قريش
الذين زين لهم الشيطان عمالهم، وقال: { لا غالب لكم اليوم من الناس وني جار
لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه [وقال ني بريء منكم ني رى ما لا
ترون] } اليه.
فغرتهم نفسهم، وغرهم من غرهم، الذين لم ينفعوهم، ولم يدفعوا عنهم العذاب، حتى توا “بدرا”
بفخرهم وخيلائهم، ظانين نهم مدركون برسول الله والمؤمنين مانيهم.
فنصر الله رسوله والمؤمنين عليهم، فقتلوا كبارهم وصناديدهم، وسروا من سروا منهم، وفر من فر،
وذاقوا بذلك وبال مرهم وعاقبه شركهم وبغيهم، هذا في الدنيا، { ولهم } في الخره
عذاب النار.
ومثل هؤلاء المنافقين الذين غروا خوانهم من هل الكتاب { كمثل الشيطان ذ قال للنسان
اكفر } ي: زين له الكفر وحسنه ودعاه ليه، فلما اغتر به وكفر، وحصل له
الشقاء، لم ينفعه الشيطان، الذي تولاه ودعاه لى ما دعاه ليه، بل تبر منه و
{ قال ني بريء منك ني خاف الله رب العالمين } ي: ليس لي قدره
على دفع العذاب عنك، ولست بمغن عنك مثقال ذره من الخير.
{ فكان عاقبتهما } ي: الداعي الذي هو الشيطان، والمدعو الذي هو النسان حين طاعه
{ نهما في النار خالدين فيها } كما قال تعالى: { نما يدعو حزبه ليكونوا
من صحاب السعير } { وذلك جزاء الظالمين } الذين اشتركوا في الظلم والكفر، ون
اختلفوا في شده العذاب وقوته، وهذا دب الشيطان مع كل وليائه، فنه يدعوهم ويدليهم لى
ما يضرهم بغرور، حتى ذا وقعوا في الشباك، وحاقت بهم سباب الهلاك، تبر منهم وتخلى
عنهم.
واللوم كل اللوم على من طاعه، فن الله قد حذر منه ونذر، وخبر بمقاصده وغايته
ونهايته، فالمقدم على طاعته، عاص على بصيره لا عذر له.
{ 18-21 } { يا يها الذين منوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد
واتقوا الله ن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فنساهم نفسهم
ولئك هم الفاسقون * لا يستوي صحاب النار وصحاب الجنه صحاب الجنه هم الفائزون *
لو نزلنا هذا القرن على جبل لريته خاشعا متصدعا من خشيه الله وتلك المثال نضربها
للناس لعلهم يتفكرون }
يمر تعالى عباده المؤمنين بما يوجبه اليمان ويقتضيه من لزوم تقواه، سرا وعلانيه، في جميع
الحوال، ون يراعوا ما مرهم الله به من وامره وشرائعه وحدوده، وينظروا ما لهم وما
عليهم، وماذا حصلوا عليه من العمال التي تنفعهم و تضرهم في يوم القيامه، فنهم ذا
جعلوا الخره نصب عينهم وقبله قلوبهم، واهتموا بالمقام بها، اجتهدوا في كثره العمال الموصله ليها،
وتصفيتها من القواطع والعوائق التي توقفهم عن السير و تعوقهم و تصرفهم، وذا علموا يضا،
ن الله خبير بما يعملون، لا تخفى عليه عمالهم، ولا تضيع لديه ولا يهملها، وجب
لهم الجد والاجتهاد.
وهذه اليه الكريمه صل في محاسبه العبد نفسه، ونه ينبغي له ن يتفقدها، فن رى
زللا تداركه بالقلاع عنه، والتوبه النصوح، والعراض عن السباب الموصله ليه، ون رى نفسه مقصرا
في مر من وامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه، وتقانه، ويقايس بين
منن الله عليه وحسانه وبين تقصيره، فن ذلك يوجب له الحياء بلا محاله.
والحرمان كل الحرمان، ن يغفل العبد عن هذا المر، ويشابه قوما نسوا الله وغفلوا عن
ذكره والقيام بحقه، وقبلوا على حظوظ نفسهم وشهواتها، فلم ينجحوا، ولم يحصلوا على طائل، بل
نساهم الله مصالح نفسهم، وغفلهم عن منافعها وفوائدها، فصار مرهم فرطا، فرجعوا بخساره الدارين، وغبنوا
غبنا، لا يمكنهم تداركه، ولا يجبر كسره، لنهم هم الفاسقون، الذين خرجوا عن طاعه ربهم
ووضعوا في معاصيه، فهل يستوي من حافظ على تقوى الله ونظر لما قدم لغده، فاستحق
جنات النعيم، والعيش السليم – مع الذين نعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
– ومن غفل عن ذكر الله، ونسي حقوقه، فشقي في الدنيا، واستحق العذاب في الخره،
فالولون هم الفائزون، والخرون هم الخاسرون.
ولما بين تعالى لعباده ما بين، ومرهم ونهاهم في كتابه العزيز، كان هذا موجبا لن
يبادروا لى ما دعاهم ليه وحثهم عليه، ولو كانوا في القسوه وصلابه القلوب كالجبال الرواسي،
فن هذا القرن لو نزله على جبل لريته خاشعا متصدعا من خشيه الله ي: لكمال
تثيره في القلوب، فن مواعظ القرن عظم المواعظ على الطلاق، ووامره ونواهيه محتويه على الحكم
والمصالح المقرونه بها، وهي من سهل شيء على النفوس، ويسرها على البدان، خاليه من التكلف
لا تناقض فيها ولا اختلاف، ولا صعوبه فيها ولا اعتساف، تصلح لكل زمان ومكان، وتليق
لكل حد.
ثم خبر تعالى نه يضرب للناس المثال، ويوضح لعباده في كتابه الحلال والحرام، لجل ن
يتفكروا في ياته ويتدبروها، فن التفكر فيها يفتح للعبد خزائن العلم، ويبين له طرق الخير
والشر، ويحثه على مكارم الخلاق، ومحاسن الشيم، ويزجره عن مساوئ الخلاق، فلا نفع للعبد من
التفكر في القرن والتدبر لمعانيه.
{ 22-24 } { هو الله الذي لا له لا هو عالم الغيب والشهاده هو
الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا له لا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن
العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارئ المصور له السماء
الحسنى يسبح له ما في السماوات والرض وهو العزيز الحكيم }
هذه اليات الكريمات قد اشتملت على كثير من سماء الله الحسنى ووصافه العلى، عظيمه الشن،
وبديعه البرهان، فخبر نه الله الملوه المعبود، الذي لا له لا هو، وذلك لكماله العظيم،
وحسانه الشامل، وتدبيره العام، وكل له سواه فنه باطل لا يستحق من العباده مثقال ذره،
لنه فقير عاجز ناقص، لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا، ثم وصف نفسه بعموم العلم
الشامل، لما غاب عن الخلق وما يشاهدونه، وبعموم رحمته التي وسعت كل شيء ووصلت لى
كل حي.
ثم كرر [ذكر] عموم لهيته وانفراده بها، ونه المالك لجميع الممالك، فالعالم العلوي والسفلي وهله،
الجميع، مماليك لله، فقراء مدبرون.
{ القدوس السلام } ي: المقدس السالم من كل عيب وفه ونقص، المعظم الممجد، لن
القدوس يدل على التنزيه عن كل نقص، والتعظيم لله في وصافه وجلاله.
{ المؤمن } ي: المصدق لرسله ونبيائه بما جاءوا به، باليات البينات، والبراهين القاطعات، والحجج
الواضحات.
{ العزيز } الذي لا يغالب ولا يمانع، بل قد قهر كل شيء، وخضع له
كل شيء، { الجبار } الذي قهر جميع العباد، وذعن له سائر الخلق، الذي يجبر
الكسير، ويغني الفقير، { المتكبر } الذي له الكبرياء والعظمه، المتنزه عن جميع العيوب والظلم
والجور.
{ سبحان الله عما يشركون } وهذا تنزيه عام عن كل ما وصفه به من
شرك به وعانده.
{ هو الله الخالق } لجميع المخلوقات { البارئ } للمبروءات { المصور } للمصورات،
وهذه السماء متعلقه بالخلق والتدبير والتقدير، ون ذلك كله قد انفرد الله به، لم يشاركه
فيه مشارك.
{ له السماء الحسنى } ي: له السماء الكثيره جدا، التي لا يحصيها ولا يعلمها
حد لا الله هو، ومع ذلك، فكلها حسنى ي: صفات كمال، بل تدل على كمل
الصفات وعظمها، لا نقص في شيء منها بوجه من الوجوه، ومن حسنها ن الله يحبها،
ويحب من يحبها، ويحب من عباده ن يدعوه ويسلوه بها.
ومن كماله، ون له السماء الحسنى، والصفات العليا، ن جميع من في السماوات والرض مفتقرون
ليه على الدوام، يسبحون بحمده، ويسلونه حوائجهم، فيعطيهم من فضله وكرمه ما تقتضيه رحمته وحكمته،
{ وهو العزيز الحكيم } الذي لا يريد شيئا لا ويكون، ولا يكون شيئا لا
لحكمه ومصلحه.
- هل معنى خاشعا في سورة الحشر منقادا