مقال سيد قطب عظمة خلق رسول الله ( عليه افضل الصلاة والسلام )

موضوع لسيد قطب عن عظمة الرسول (علية اروع الصلاة و السلام ) حيث تجيء الشهاده الكبري و التكريم العظيم: { وانك لعلي خلق عظيم }.. و تتجاوب ارجاء الوجود بهذا الثناء الفريد علىالنبي الكريم، و يثبت ذلك الثناء العلوى فصميم الوجود! و يعجز جميع قلم, و يعجز جميع تصور, عن و صف قيمة هذة الكلمة العظيمة من رب الوجود, و هى شهادة من الله، فميزان الله, لعبد الله, يقول له بها { وانك لعلي خلق عظيم}.

صورة1

 






ومدلول الخلق العظيم هو ما هو عند الله، مما لا يبلغ الي ادراك مداة احد من العالمين!


ودلالة هذة الكلمة العظيمة علي عظمة محمد صلي الله علية و سلم، تبرز من نواح شتى:


تبرز من كونها كلمة من الله الكبير المتعال, يسجلها ضمير الكون, و تثبت فكيانه, و تتردد فالملا الاعلي الي ما شاء الله.


وتبرز من جانب اخر, من جانب اطاقة محمد صلي الله علية و سلم لتلقيها. و هو يعلم من ربة هذا, قائل هذة الكلمه.


ما هو? ما عظمته? ما دلالة كلماته? ما مداها? ما صداها? و يعلم من هو الي جانب هذة العظمة المطلقه, التي يدرك هو منها ما لا يدركة احد من العالمين.





ان اطاقة محمد صلي الله علية و سلم لتلقى هذة الكلمة من ذلك المصدر, و هو ثابت, لا ينسحق تحت ضغطها الهائل -ولو انها ثناء-، و لا تتارجح شخصيتة تحت و قعها و تضطرب.. تلقية لها فطمانينة و فتماسك و فتوازن.. هو ذاتة دليل علي عظمة شخصيتة فوق جميع دليل.





ولقد رويت عن عظمة خلقة فالسيره, و علي لسان اصحابة روايات منوعة كثيره. و كان و اقع سيرتة اعظم شهادة من جميع ما روى عنه. و لكن هذة الكلمة اعظم بدلالتها من جميع شيء اخر؛ اعظم بصدورها عن العلى الكبير، و اعظم بتلقى محمد لها و هو يعلم من هو العلى الكبير, و بقائة بعدين ثابتا راسخا مطمئنا، لا يتكبر علي العباد, و لا ينتفخ, و لا يتعاظم, و هو الذي سمع ما سمع من العلى الكبير!





و { الله اعلم حيث يجعل رسالته }.. و ما كان الا محمد صلي الله علية و سلم بعظمة نفسة هذة من يحمل هذة الرسالة الاخيره، بكل عظمتها الكونية الكبرى؛ فيصبح كفئا لها, كما يصبح صورة حية منها.





ان هذة الرسالة من الكمال و الجمال, و العظمة و الشمول، و الصدق و الحق، بحيث لا يحملها الا الرجل الذي يثنى علية الله ذلك الثناء. فتطيق شخصيتة ايضا تلقى ذلك الثناء فتماسك و فتوازن, و فطمانينه؛ طمانينه القلب الكبير الذي يسع حقيقة تلك الرسالة و حقيقة ذلك الثناء العظيم. بعدها يتلقي -بعد ذلك- عتاب ربة له و مواخذتة اياة علي بعض تصرفاته, بذات التماسك و ذات التوازن و ذات الطمانينه. و يعلن هذة كما يعلن تلك, لا يكتم من هذة شيئا و لا تلك.. و هو هو فكلتا الحالتين النبى الكريم، و العبد الطائع، و المبلغ الامين.





ان حقيقة هذه النفس من حقيقة هذة الرساله، و ان عظمة هذة النفس من عظمة هذة الرساله، و ان الحقيقة المحمدية كالحقيقة الاسلامية لابعد من مدي اي مجهر يملكة بشر. و قصاري ما يملكة راصد لعظمة هذة الحقيقة المزدوجة ان يراها و لا يحدد مداها، و ان يشير الي مسارها الكونى دون ان يحدد ذلك المسار

صورة2

 






ومرة اخري اجد نفسى مشدودا للوقوف الي جوار الدلالة الضخمة لتلقى رسول الله صلي الله علية و سلم لهذة الكلمة من ربه, و هو ثابت راسخ متوازن مطمئن الكيان.. لقد كان -وهو بشر- يثنى علي احد اصحابه, فيهتز كيان صاحبة ذلك و اصحابة من و قع ذلك الثناء العظيم.. و هو بشر و صاحبة يعلم انه بشر، و اصحابة يدركون انه بشر.. انه نبي.. نعم، و لكن فالدائرة المعلومة الحدود؛ دائرة البشرية ذات الحدود.. فاما هو فيتلقي هذة الكلمة من الله، و هو يعلم من هو الله، هو بخاصة يعلم من هو الله! هو يعلم منة ما لا يعلمة سواه، بعدها يصطبر و يتماسك و يتلقي و يسير… انه امر فوق جميع تصور و فوق جميع تقدير!!





انة محمد -وحده-، هو الذي يرقي الي ذلك الافق من العظمه..


انة محمد -وحده-، هو الذي يبلغ قمة الكمال الانسانى المجانس لنفخة الله فالكيان الانساني..


انة محمد -وحده- هو الذي يكافئ هذة الرسالة الكونية العالمية الانسانيه; حتي لتتمثل فشخصة حيه, تمشى علي الارض فاهاب انسان..


انة محمد -وحده-، الذي علم الله منة انه اهل لهذا المقام، و الله اعلم حيث يجعل رسالته، و اعلن فهذة انه علي خلق عظيم. و اعلن فالاخري انه، جل شانة و تقدست ذاتة و صفاته, يصلى علية هو و ملائكتة (ان الله و ملائكتة يصلون علي النبي). و هو جل شانه، و حدة القادر علي ان يهب عبدا من عبادة هذا الفضل العظيم..





ثم ان لهذة اللفتة دلالتها علي تمجيد العنصر الاخلاقى فميزان الله; و اصالة ذلك العنصر فالحقيقة الاسلامية كاصالة الحقيقة المحمديه.





والناظر فهذه العقيده, كالناظر فسيرة رسولها, يجد العنصر الاخلاقى بارزا اصيلا فيها, تقوم علية اصولها التشريعية و اصولها التهذيبية علي السواء.. الدعوه الكبري فهذة العقيدة الى الطهاره والنظافة و الامانة و الصدق و العدل و الرحمة و البر و حفظ العهد, و مطابقة القول للفعل, و مطابقتهما معا للنية و الضمير; و النهى عن الجور و الظلم و الخداع و الغش و طعام اموال الناس بالباطل, و الاعتداء علي الحرمات و الاعراض, و اشاعة الفاحشة باية صورة من الصور..


والتشريعات فهذة العقيدة لحماية هذة الاسس و صيانة العنصر الاخلاقى فالشعور و السلوك, و فاعماق الضمير و فو اقع المجتمع، و فالعلاقات الفردية و الجماعية و الدولية علي السواء.





والرسول الكريم يقول: « انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ».. فيلخص رسالتة فهذا الهدف النبيل، و تتوارد احاديثة تتري فالحض علي جميع خلق كريم، و تقوم سيرتة الشخصية مثالا حيا، و صفحة نقيه, و صورة رفيعه, تستحق من الله ان يقول عنها فكتابة الخالد { وانك لعلي خلق عظيم }.. فيمجد بهذا الثناء نبية صلي الله علية و سلم، كما يمجد بة العنصر الاخلاقى فمنهجة الذي جاء بة ذلك النبى الكريم, و يشد بة الارض الي السماء, و يعلق بة قلوب الراغبين الية -سبحانه- و هو يدلهم علي ما يحب و يرضي من الخلق القويم.

صورة3

 






وهذا الاعتبار هو الاعتبار الفذ فاخلاقية الاسلام؛ فهى اخلاقية لم تنبع من البيئه, و لا من اعتبارات ارضية اطلاقا. و هى لا تستمد و لا تعتمد علي اعتبار من اعتبارات العرف او المصلحة او الارتباطات التي كانت قائمة فالجيل؛ انما تستمد من السماء و تعتمد علي السماء.





تستمد من هتاف السماء للارض لكى تتطلع الي الافق، و تستمد من صفات الله المطلقة ليحققها البشر فحدود الطاقه, كى يحققوا انسانيتهم العليا, و كى يصبحوا اهلا لتكريم الله لهم و استخلافهم فالارض، و كى يتاهلوا للحياة الرفيعة الاخري { فى مقعد صدق عند مليك مقتدر }.. و من بعدها فهى غير مقيدة و لا محدودة بحدود من اي اعتبارات قائمة فالارض; انما هى طليقة ترتفع الي اقصي ما يطيقة البشر. بعدها انها ليست فضائل مفرده: صدق و امانة و عدل و رحمة و بر…. انما هى منهج متكامل, تتعاون فيه التربيه التهذيبية مع الشرائع التنظيميه، و تقوم علية فكرة الحياة كلها و اتجاهاتها جميعا, و تنتهى فخاتمة المطاف الي الله.. لا الي اي اعتبار احدث من اعتبارات هذة الحياه!





وقد تمثلت هذة الاخلاقية الاسلامية بكمالها و جمالها و توازنها و استقامتها و اطرادها و ثباتها فمحمد صلي الله علية و سلم و تمثلت فثناء الله العظيم, و قولة { وانك لعلي خلق عظيم }..


مقال سيد قطب عظمة خلق رسول الله ( عليه افضل الصلاة والسلام )