مقالات مواضيع جديدة

قصة صلاح الدين الايوبي كاملة

قصة صلاح الدين الايوبي كاملة Cf7936F2D1C2C8Df9Fcd20261637A455

قصه الناصر صلاح الدين الايوبى اشهر ملوك الاسلام كامله

 

قصة صلاح الدين الايوبي كاملة 20160725 1346

الناصر صلاح الدين اليوبي هو يوسف بن ايوب بن شاذي بن مروان. ابو المظفر, الملك
الناصر صلاح الدين اليوبي من اشهر ملوك السلام. كان ابوه وهله من قريه (دوين) –
قريه تقع في شرق اذربيجان – وهم بطن من قبيله الرواديه الكرديه. كان لشاذي ولدان
هما: ايوب وشيركوه, نزل بهما ابوهما الى تكريت وفيها ولد ليوب ولد دعاه يوسف, وفيها
توفي جده (شاذي) . وفي تكريت تولى ايوب والد يوسف اعمالا, ثم خرج مع اخيه
شيركوه الى الموصل ودخلا في خدمه صاحبها عماد الدين زنكي ولما ملك عماد الدين بعلبك
سنه 533ه ولى عليها ايوب, وبعد قليل قتل عماد الدين في قلعه جعبر سنه 541ه
فلازم ايوب وشيركوه خدمه ابنه نور الدين محمود صاحب دمشق وحلب, ونالا لديه مقاما محمودا,
وتلقب ايوب بلقب نجم الدين وتلقب شيركوه بلقب اسد الدين وتلقب يوسف بلقب صلاح الدين.
وفي سنه 558ه اشترك صلاح الدين مع عمه اسد الدين في حمله وجهها نور الدين
الى مصر لنجده شاور بن مجير السعدي وزير العاضد الفاطمي ضد خصمه ضرغام بن عامر
اللخمي ودت الحمله مهمتها بعد معركه قتل فيها ضرغام وعيد شاور الى الوزاره وكان ضرغام
قد انتزعها منه. وعاد اسد الدين وصلاح الدين الى دمشق . ولم يلبث ان استنجد
العاضد الفاطمي بنور الدين محمود لينقذه من شاور الذي استبد بالسلطه, فينجده بحمله ثانيه يقودها
اسد الدين شيركوه ومعه ابن اخيه صلاح الدين, ولما دخلت الحمله الى مصر هرب شاور
ثم قبض عليه وقتل, وقلد العاضد الوزاره اسد الدين فتولاها وتوفي بعد بضعه اشهر فتقلدها
من بعده ابن اخيه يوسف ولقبه العاضد بالملك المظفر صلاح الدين فتولى السلطه وباشرها بحزم.
ولما مرض العاضد مرض موته قطع صلاح الدين الخطبه عن العاضد وخطب للخليفه العباسي المستضيء
بمر الله فنهى بذلك حكم الدوله الفاطميه وصبح صلاح الدين هو صاحب السلطه في مصر.

وفي عام 569ه توفي نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي فخلفه ابنه الصالح اسماعيل,
وكان صغيرا, فاضطربت امور البلاد الشاميه والجزيره ودعي صلاح الدين لضبطها. فقبل سنه 570ه على
مشق فاستقبله اهلها بحفاوه واستولى بعد ذلك على بعلبك وحمص وحماه وحلب. ثم تخلى عن
حلب للملك الصالح اسماعيل وانصرف الى عملين جليلين: احدهما الصلاح الداخلي في مصر والشام, والثاني
دفع غارات الصليبيين ومهاجمه حصونهم وقلاعهم في بلاد الشام . فبدا بعماره قلعه مصر ونشا
فيها مدارس وثارا. ثم انقطع عن مصر بعد رحيله عنها سنه 578ه اذ تتابعت امامه
حوادث الغارات وصد الاعتداءات الصليبيه في الديار الشاميه, فشغلته بقيه حياته, ودانت لصلاح الدين البلاد
من اخر حدود النوبه جنوبا وبرقه غربا الى بلاد الرمن شمالا وبلاد الجزيره والموصل شرقا,
وكان اعظم انتصاراته على الصليبيين في فلسطين والساحل الشامي يوم حطين سنه 583ه الذي تلاه
استرداد طبريه وعكا ويافا الى ما بعد بيروت ثم افتتاح القدس سنه 583ه ووقائع على
ابواب صور فدفاع مجيد عن عكا انتهى بخروجها من يده سنه 587ه بعد ان اجتمع
لحربه ملكا فرانسا ونكلترا بجيشهما وسطولهما, وخيرا عقد الصلح مع ملك انكلترا ريشار قلب السد
على ان يحتفظ الصليبيون بالساحل من عكا الى يافا ون يسمح لحجاجهم بزياره بيت المقدس
ون تخرب عسقلان ون يكون الساحل منها الى الجنوب لصلاح الدين. وعاد ريشار الى بلاده
وانصرف صلاح الدين من القدس بعد ان بنى فيها مدارس ومستشفيات ومكث بعد ذلك في
دمشق مده يسيره انتهت بوفاته. كان صلاح الدين شجاعا, شهما, مجاهدا في سبيل الله, وكان
مغرما بالنفاق في سبيل الله, وكانت مجالسه حافله بهل العلم والدب. وكان محبا للعدل, يجلس
في كل يوم اثنين وخميس في مجلس عام يحضره القضاه والفقهاء ويصل اليه الكبير والصغير
والشيخ والعجوز, وما استغاث به احد الا اجابه وكشف عن ظلامته. ابطل في سنه 572ه
المكوس (الرسوم) التي كانت تؤخذ من الحجاج في جده وعوض عنها امير مكه داود بن
عيسى بن فليته في كل سنه ثمانيه الاف اردب قمح ويحمل مثلها فتفرق في اهل
الحرمين: مكه والمدينه.
كان صلاح الدين الى جانب هيبته رقيق النفس والقلب, على شده بطولته, وكان رجل سياسه
وحرب, بعيد النظر, متواضعا مع جنده ومراء جنده, يحس المتقرب منه بحب ممزوج بهيبته. له
اطلاع حسن على جانب من الحديث والفقه والدب ولا سيما انساب العرب ووقائعهم. لم يدخر
لنفسه مالا ولا عقارا وكانت مده حكمه بمصر 24 سنه وبسوريه 19 سنه, وخلف من
الولاد 17 ولدا ذكرا ونثى واحده. للمصنفين كتب كثيره في سيرته منها: كتاب (الروضتين) لبي
شامه في تاريخ دولته ودوله نور الدين محمود وكتاب (النوادر السلطانيه والمحاسن اليوسفيه) لابن شداد
ويسمى سيره صلاح الدين وكتاب (البرق الشامي) في اخبار فتوحاته وحوادث الشام في ايامه لعماد
الدين الكاتب و (النفح القسي في الفتح القدسي) لعماد الدين ايضا و (صلاح الدين وعصره)
لمحمد فريد ابو حديد و (حياه صلاح الدين اليوبي) لحمد بيلي المصري. توفي صلاح الدين
بقلعه دمشق عن 57 عاما وارتفعت الصوات بالبلد بالبكاء. بويع لولده الفضل نور الدين علي
من بعده وكان نائبه على دمشق .
فارس نبيل وبطل شجاع
عرف في كتب التاريخ في الشرق والغرب بنه فارس نبيل وبطل شجاع وقائد من افضل
من عرفتهم البشريه وشهد بخلاقه اعداؤه من الصليبيين قبل اصدقائه وكاتبوا سيرته، انه نموذج فذ
لشخصيه عملاقه من صنع السلام، انه البطل صلاح الدين اليوبي محرر القدس من الصليبيين وبطل
معركه حطين.
فلى سيرته ومواقف من حياته كما يرويها صاحب وفيات العيان احمد بن خلكان، والقاضي بهاء
الدين بن شداد صاحب كتاب “سيره صلاح الدين” وبن الثير في كتابه “الكامل”.

نسبه ونشته
هو ابو المظفر يوسف بن ايوب بن شاذي الملقب بالملك الناصر صلاح الدين.
اتفق اهل التاريخ على ان اباه وهله من (دوين) وهي بلده في اخر اذربيجان ونهم
اكراد رواديه، والرواديه بطن من الهذبانيه، وهي قبيله كبيره من الكراد.
يقول احمد بن خلكان: قال لي رجل فقيه عارف بما يقول وهو من اهل دوين
ان على باب دوين قريه يقال لها (جدانقان) وجميع اهلها اكراد رواديه وكان شاذي جد
صلاح الدين قد اخذ ولديه اسد الدين شيركوه ونجم الدين ايوب وخرج بهما الى بغداد
ومن هناك نزلوا تكريت ومات شاذي بها وعلى قبره قبه داخل البلد.
ولد صلاح الدين سنه 532ه بقلعه تكريت لما كان ابوه وعمه بها والظاهر انهم ما
اقاموا بها بعد ولاده صلاح الدين الا مده يسيره، ولكنهم خرجوا من تكريت في بقيه
سنه 532ه التي ولد فيها صلاح الدين او في سنه ثلاث وثلاثين لنهما اقاما عند
عماد الدين زنكي بالموصل ثم لما حاصر دمشق وبعدها بعلبك وخذها رتب فيها نجم الدين
ايوب وذلك في اوائل سنه اربع وثلاثين.
يقول بن خلكان: اخبرني بعض اهل بيتهم وقد سلته هل تعرف متى خرجوا من تكريت
فقال سمعت جماعه من اهلنا يقولون انهم اخرجوا منها في الليله التي ولد فيها صلاح
الدين فتشاءموا به وتطيروا منه فقال بعضهم لعل فيه الخيره وما تعلمون فكان كما قال
والله اعلم.
ولم يزل صلاح الدين تحت كنف ابيه حتى ترعرع ولما ملك نور الدين محمود بن
عماد الدين زنكي دمشق لازم نجم الدين ايوب خدمته وكذلك ولده صلاح الدين وكانت مخايل
السعاده عليه لائحه والنجابه تقدمه من حاله الى حاله ونور الدين يرى له ويؤثره ومنه
تعلم صلاح الدين طرائق الخير وفعل المعروف والاجتهاد في امور الجهاد.

صلاح الدين في مصر
هرب الوزير الفاطمي شاور من مصر من الوزير ضرغام بن عامر بن سوار الملقب فارس
المسلمين اللخمي المنذري لما استولى على الدوله المصريه وقهره وخذ مكانه في الوزاره كعادتهم في
ذلك وقتل ولده الكبر طي بن شاور فتوجه شاور الى الشام مستغيثا بالملك العادل نور
الدين بن زنكي وذلك في شهر رمضان 558ه ودخل دمشق في الثالث والعشرين من ذي
القعده من السنه نفسها فوجه نور الدين معه المير اسد الدين شيركوه بن شاذي في
جماعه من عسكره كان صلاح الدين في جملتهم في خدمه عمه وهو كاره للسفر معهم
وكان لنور الدين في ارسال هذا الجيش هدفان:
حدهما: قضاء حق شاور لكونه قصده ودخل عليه مستصرخا.
والثاني: انه اراد استعلام احوال مصر فنه كان يبلغه انها ضعيفه من جهه الجند وحوالها
في غايه الاختلال فقصد الكشف عن حقيقه ذلك.
وكان كثير الاعتماد على شيركوه لشجاعته ومعرفته ومانته فانتدبه لذلك وجعل اسد الدين شيركوه ابن
اخيه صلاح الدين مقدم عسكره وشاور معهم فخرجوا من دمشق في جمادى الولى سنه 559ه
فدخلوا مصر واستولوا على المر في رجب من السنه نفسها.
ولما وصل اسد الدين وشاور الى الديار المصريه واستولوا عليها وقتلوا الضرغام وحصل لشاور مقصوده
وعاد الى منصبه وتمهدت قواعده واستمرت اموره غدر بسد الدين شيركوه واستنجد بالفرنج عليه فحاصروه
في بلبيس، وكان اسد الدين قد شاهد البلاد وعرف احوالها ونها مملكه بغير رجال تمشي
المور فيها بمجرد اليهام والمحال فطمع فيها وعاد الى الشام، وقام اسد الدين بالشام مده
مفكرا في تدبير عودته الى مصر محدثا نفسه بالملك لها مقررا قواعد ذلك مع نور
الدين الى سنه 562ه
وبلغ نور الدين وسد الدين مكاتبه الوزير الخائن شاور للفرنج وما تقرر بينهم فخافا على
مصر ان يملكوها ويملكوا بطريقها جميع البلاد فتجهز اسد الدين ونفذ معه نور الدين العساكر
وصلاح الدين في خدمه عمه اسد الدين، وكان وصول اسد الدين الى البلاد مقارنا لوصول
الفرنج اليها واتفق شاور والمصريون بسرهم والفرنج على اسد الدين وجرت حروب كثيره.
وتوجه صلاح الدين الى السكندريه فاحتمى بها وحاصره الوزير شاور في جمادى الخره من سنه
562ه ثم عاد اسد الدين من جهه الصعيد الى بلبيس وتم الصلح بينه وبين المصريين
وسيروا له صلاح الدين فساروا الى الشام.
ثم ان اسد الدين عاد الى مصر مره ثالثه وكان سبب ذلك ان الفرنج جمعوا
فارسهم وراجلهم وخرجوا يريدون مصر ناكثين العهود مع المصريين وسد الدين طمعا في البلاد فلما
بلغ ذلك اسد الدين ونور الدين لم يسعهما الصبر فسارعا الى مصر اما نور الدين
فبالمال والرجال ولم يمكنه المسير بنفسه خوفا على البلاد من الفرنج، وما اسد الدين فبنفسه
وماله وخوته وهله ورجاله
يقول بن شداد: لقد قال لي السلطان صلاح الدين قدس الله روحه كنت اكره الناس
للخروج في هذه الدفعه وما خرجت مع عمي باختياري وهذا معنى قوله تعالى {وعسى ان
تكرهوا شيئا وهو خير لكم} (البقره:216)
وكان شاور لما احس بخروج الفرنج الى مصر سير الى اسد الدين يستصرخه ويستنجده فخرج
مسرعا وكان وصوله الى مصر في شهر ربيع الول سنه 564ه ولما علم الفرنج بوصول
اسد الدين الى مصر على اتفاق بينه وبين اهلها رحلوا راجعين على اعقابهم ناكصين وقام
اسد الدين بها يتردد اليه شاور في الحيان وكان وعدهم بمال في مقابل ما خسروه
من النفقه فلم يوصل اليهم شيئا وعلم اسد الدين ان شاور يلعب به تاره وبالفرنج
اخرى،وتحقق انه لا سبيل الى الاستيلاء على البلاد مع بقاء شاور فجمع ريه على القبض
عليه اذا خرج اليه، فقتله وصبح اسد الدين وزيرا وذلك في سابع عشر ربيع الول
سنه 564ه ودام امرا وناهيا و صلاح الدين يباشر المور مقررا لها لمكان كفايته ودرايته
وحسن ريه وسياسته الى الثاني والعشرين من جمادى الخره من السنه نفسها فمات اسد الدين.

وذكر المؤرخون ان اسد الدين لما مات استقرت المور بعده للسلطان صلاح الدين يوسف بن
ايوب فبذل الموال وملك قلوب الرجال وهانت عنده الدنيا فملكها وشكر نعمه الله تعالى عليه،
وعرض عن اسباب اللهو وتقمص بقميص الجد والاجتهاد، استعدادا لمواجهات مستمره مع الصليبيين من جهه
ومع خزعبلات الدوله الفاطميه من جهه اخرى.

هجوم الفرنج على مصر
ولما علم الفرنج استقرار المر بمصر لصلاح الدين علموا انه يملك بلادهم ويخرب ديارهم ويقلع
اثارهم لما حدث له من القوه والملك واجتمع الفرنج والروم جميعا وقصدوا الديار المصريه فقصدوا
دمياط ومعهم الات الحصار وما يحتاجون اليه من العدد، ولما رى نور الدين ظهور الفرنج
ونزولهم على دمياط قصد شغلهم عنها فنزل على الكرك محاصرا لها، فقصده فرنج الساحل فرحل
عنها وقصد لقاءهم فلم يقفوا له.
ولما بلغ صلاح الدين قصد الفرنج دمياط استعد لهم بتجهيز الرجال وجمع اللات اليها ووعدهم
بالمداد بالرجال ان نزلوا عليهم وبالغ في العطايا والهبات وكان وزيرا متحكما لا يرد امره
في شيء ثم نزل الفرنج عليها واشتد زحفهم وقتالهم عليها وهو يشن عليهم الغارات من
خارج والعسكر يقاتلهم من داخل ونصر الله تعالى المسلمين به وبحسن تدبيره فرحلوا عنها خائبين
فحرقت مناجيقهم ونهبت الاتهم وقتل من رجالهم عدد كبير.

تسيس الدوله اليوبيه
واستقرت المور لصلاح الدين ونقل اسرته ووالده نجم الدين ايوب اليها ليتم له السرور وتكون
قصته مشابهه لقصه يوسف الصديق عليه السلام، ولم يزل صلاح الدين وزيرا حتى مات العاضد
اخر الخلفاء الفاطميين 565ه وبذلك انتهت الدوله الفاطميه وبدت دوله بني ايوب (الدوله اليوبيه).
ولقب صلاح الدين بالملك الناصر وعاد الى دار اسد الدين فقام بها، وثبت قدم صلاح
الدين ورسخ ملكه.
ورسل صلاح الدين يطلب من نور الدين ان يرسل اليه اخوته فلم يجبه الى ذلك
وقال اخاف ان يخالف احد منهم عليك فتفسد البلاد، ثم ان الفرنج اجتمعوا ليسيروا الى
مصر فسير نور الدين العساكر وفيهم اخوه صلاح الدين منهم شمس الدوله توران شاه بن
ايوب، وهو اكبر من صلاح الدين.
و ذكر ابن الثير ما حدث من الوحشه بين نور الدين وصلاح الدين باطنا فقال:
وفي سنه 567ه حدث ما اوجب نفره نور الدين عن صلاح الدين وكان الحادث ان
نور الدين ارسل الى صلاح الدين يمره بجمع العساكر المصريه والمسير بها الى بلد الفرنج
والنزول على الكرك ومحاصرته ليجمع هو ايضا عساكره ويسير اليه ويجتمعا هناك على حرب الفرنج
والاستيلاء على بلادهم فبرز صلاح الدين من القاهره في العشرين من المحرم وكتب الى نور
الدين يعرفه ان رحيله لا يتخر وكان نور الدين قد جمع عساكره وتجهز وقام ينتظر
ورود الخبر من صلاح الدين برحيله ليرحل هو فلما اتاه الخبر بذلك رحل من دمشق
عازما على قصد الكرك فوصل اليه وقام ينتظر وصول صلاح الدين اليه فرسل كتابه يعتذر
فيه عن الوصول باختلال البلاد المصريه لمور بلغته عن بعض شيعه العلويين ونهم عازمون على
الوثوب بها ونه يخاف عليها مع البعد عنها فعاد اليها فلم يقبل نور الدين عذره،
وكان سبب تقاعده ان اصحابه وخواصه خوفوه من الاجتماع بنور الدين فحيث لم يمتثل امر
نور الدين شق ذلك عليه وعظم عنده وعزم على الدخول الى مصر وخراج صلاح الدين
عنها.
ووصل الخبر الى صلاح الدين فجمع اهله وفيهم والده نجم الدين ايوب وخاله شهاب الدين
الحارمي ومعهم سائر المراء وعلمهم ما بلغه عن عزم نور الدين على قصده وخذ مصر
منه واستشارهم فلم يجبه احد منهم بشيء فقام تقي الدين عمر ابن اخي صلاح الدين
وقال اذا جاء قاتلناه وصددناه عن البلاد ووافقه غيره من اهله فشتمهم نجم الدين ايوب
ونكر ذلك واستعظمه وكان ذا ري ومكر وعقل وقال لتقي الدين اقعد وسبه وقال لصلاح
الدين انا ابوك وهذا شهاب الدين خالك اتظن ان في هؤلاء كلهم من يحبك ويريد
لك الخير مثلنا فقال لا فقال والله لو ريت انا وهذا خالك شهاب الدين نور
الدين لم يمكنا الا ان نترجل له ونقبل الرض بين يديه ولو امرنا ان نضرب
عنقك بالسيف لفعلنا فذا كنا نحن هكذا كيف يكون غيرنا وكل من تراه من المراء
والعساكر لو رى نور الدين وحده لم يتجاسر على الثبات على سرجه ولا وسعه الا
النزول وتقبيل الرض بين يديه وهذه البلاد له وقد اقامك فيها ون اراد عزلك في
حاجه له الى المجيء يمرك بكتاب مع نجاب حتى تقصد خدمته ويولي بلاده من يريد
وقال للجماعه كلهم قوموا عنا ونحن مماليك نور الدين وعبيده يفعل بنا ما يريد فتفرقوا
على هذا وكتب اكثرهم الى نور الدين بالخبر.
ولما خلا ايوب بابنه صلاح الدين قال له انت جاهل قليل المعرفه تجمع هذا الجمع
الكثير وتطلعهم على ما في نفسك فذا سمع نور الدين انك عازم على منعه عن
البلاد جعلك اهم المور اليه وولاها بالقصد ولو قصدك لم تر معك احدا من هذا
العسكر وكانوا اسلموك اليه وما الن بعد هذا المجلس فسيكتبون اليه ويعرفونه قولي وتكتب انت
اليه وترسل في المعنى وتقول اي حاجه الى قصدي يجبي نجاب يخذني بحبل يضعه في
عنقي فهو اذا سمع هذا عدل عن قصدك واستعمل ما هو اهم عنده واليام تندرج
والله في كل وقت في شن والله لو اراد نور الدين قصبه من قصب سكرنا
لقاتلته انا عليها حتى امنعه او اقتل ففعل صلاح الدين ما اشار به والده فلما
رى نور الدين المر هكذا عدل عن قصده وكان المر كما قال نجم الدين ايوب
وتوفي نور الدين ولم يقصده وهذا كان من احسن الراء وجودها.

توسع الدوله اليوبيه
قال ابن شداد: لم يزل صلاح الدين على قدم بسط العدل ونشر الحسان وفاضه النعام
على الناس الى سنه 568ه فعند ذلك خرج بالعسكر يريد بلاد الكرك والشوبك ونما بدا
بها لنها كانت اقرب اليه وكانت في الطريق تمنع من يقصد الديار المصريه وكان لا
يمكن ان تعبر قافله حتى يخرج هو بنفسه يعبرها فراد توسيع الطريق وتسهيلها فحاصرها في
هذه السنه وجرى بينه وبين الفرنج وقعات وعاد ولم يظفر منها بشيء ولما عاد بلغه
خبر وفاه والده نجم الدين ايوب قبل وصوله اليه.
ولما كانت سنه 569ه رى قوه عسكره وكثره عدده وكان بلغه ان باليمن انسانا استولى
عليها وملك حصونها يسمى عبد النبي بن مهدي فسير اخاه توران شاه فقتله وخذ البلاد
منه وبلغ صلاح الدين ان انسانا يقال له الكنز جمع بسوان خلقا عظيما من السودان
وزعم انه يعيد الدوله المصريه وكان اهل مصر يؤثرون عودهم فانضافوا الى الكنز، فجهز صلاح
الدين اليه جيشا كثيفا وجعل مقدمه اخاه الملك العادل وساروا فالتقوا وهزموهم وذلك في السابع
من صفر سنه 570ه.
وكان نور الدين رحمه الله قد خلف ولده الملك الصالح اسماعيل وكان بدمشق عند وفاه
ابيه ثم ان صلاح الدين بعد وفاه نور الدين علم ان ولده الملك الصالح صبي
لا يستقل بالمر ولا ينهض بعباء الملك واختلفت الحوال بالشام وكاتب شمس الدين ابن المقدم
صلاح الدين فتجهز من مصر في جيش كثيف وترك بها من يحفظها وقصد دمشق مظهرا
انه يتولى مصالح الملك الصالح فدخلها في سنه 570ه وتسلم قلعتها وكان اول دخوله دار
ابيه، وهي الدار المعروفه بالشريف العقيقي، واجتمع الناس اليه وفرحوا به ونفق في ذلك اليوم
مالا جليلا وظهر السرور بالدمشقيين وصعد القلعه وسار الى حلب فنازل حمص وخذ مدينتها في
جمادى الولى من السنه نفسها ولم يشتغل بقلعتها وتوجه الى حلب ونازلها في يوم الجمعه
اخر جمادى الولى من السنه وهي المعركه الولى.
ولما احس سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي صاحب الموصل
بما جرى علم ان صلاح الدين قد استفحل امره وعظم شنه وخاف ان غفل عنه
استحوذ على البلاد واستقرت قدمه في الملك وتعدى المر اليه فنفذ عسكرا وافرا وجيشا عظيما
وقدم عليه اخاه عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود وساروا يريدون لقاءه ليردوه عن
البلاد فلما بلغ صلاح الدين ذلك رحل عن حلب في مستهل رجب من السنه عائدا
الى حماه ورجع الى حمص فخذ قلعتها ووصل عز الدين مسعود الى حلب وخذ معه
عسكر ابن عمه الملك الصالح بن نور الدين صاحب حلب يومئذ وخرجوا في جمع عظيم
فلما عرف صلاح الدين بمسيرهم سار حتى وافاهم على قرون حماه وراسلهم وراسلوه واجتهد ان
يصالحوه فما صالحوه وروا ان ضرب المصاف معه ربما نالوا به غرضهم والقضاء يجر الى
امور وهم بها لا يشعرون فتلاقوا فقضى الله تعالى ان هزموا بين يديه وسر جماعه
منهم فمن عليهم وذلك في تاسع شهر رمضان من سنه570 ه عند قرون حماه ثم
سار عقيب هزيمتهم ونزل على حلب وهي الدفعه الثانيه فصالحوه على اخذ المعره وكفر طاب
وبارين ولما جرت هذه المعركه كان سيف الدين غازي يحاصر اخاه عماد الدين زنكي صاحب
سنجار وعزم على اخذها منه لنه كان قد انتمى الى صلاح الدين وكان قد قارب
اخذها فلما بلغه الخبر ون عسكره انكسر خاف ان يبلغ اخاه عماد الدين الخبر فيشتد
امره ويقوى جشه فراسله وصالحه ثم سار من وقته الى نصيبين واهتم بجمع العساكر والنفاق
فيها وسار الى البيره وعبر الفرات وخيم على الجانب الشامي وراسل ابن عمه الصالح بن
نور الدين صاحب حلب حتى تستقر له قاعده يصل عليها ثم انه وصل الى حلب
وخرج الملك الصالح الى لقائه اقام على حلب مده.

المواجهه مع الفرنجه
في سنه 572ه اسقرت المور بمصر والشام للدوله اليوبيه، وكان اخو صلاح الدين شمس الدوله
توران شاه قد وصل اليه من اليمن فاستخلفه بدمشق ثم تهب للغزاه من الفرنجه، فخرج
يطلب الساحل حتى وافى الفرنج على الرمله وذلك في اوائل جمادى الولى سنه 573ه وكانت
الهزيمه على المسلمين في ذلك اليوم، فلما انهزموا لم يكن لهم حصن قريب يوون اليه
فطلبوا جهه الديار المصريه وضلوا في الطريق وتبددوا وسر منهم جماعه منهم الفقيه عيسى الهكاري
وكان ذلك وهنا عظيما جبره الله تعالى بمعركه حطين المشهوره.
قام صلاح الدين بمصر حتى لم شعثه وشعث اصحابه من اثر هزيمه الرمله ثم بلغه
تخبط الشام فعزم على العود اليه واهتم بالغزاه فوصله رسول “قليج ارسلان” صاحب الروم يلتمس
الصلح ويتضرر من الرمن فعزم على قصد بلاد ابن لاون وهي بلاد سيس الفاصله بين
حلب والروم من جهه الساحل لينصر قليج ارسلان عليه فتوجه اليه واستدعى عسكر حلب لنه
كان في الصلح انه متى استدعاه حضر اليه ودخل بلد ابن لاون وخذ في طريقه
حصنا و اخربه ورغبوا اليه في الصلح فصالحهم ورجع عنهم ثم سله قليج ارسلان في
صلح الشرقيين بسرهم فجاب الى ذلك وحلف صلاح الدين في عاشر جمادى الولى سنه ست
وسبعين وخمسمائه ودخل في الصلح قليج ارسلان والمواصله وعاد بعد تمام الصلح الى دمشق ثم
منها الى مصر.

معركه حطين
كانت معركه حطين المباركه على المسلمين في يوم السبت 14 ربيع الخر سنه 583ه في
وسط نهار الجمعه وكان صلاح الدين كثيرا ما يقصد لقاء العدو في يوم الجمعه عند
الصلاه تبركا بدعاء المسلمين والخطباء على المنابر فسار في ذلك الوقت بمن اجتمع له من
العساكر السلاميه وكانت تجاوز العد والحصر على تعبئه حسنه وهيئه جميله وكان قد بلغه عن
العدو انه اجتمع في عده كثيره بمرج صفوريه بعكا عندما بلغهم اجتماع الجيوش السلاميه فسار
ونزل على بحيره طبريه ثم رحل ونزل على طبريه على سطح الجبل ينتظر هجوم الصليبيين
عليه اذا بلغهم نزوله بالموضع المذكور فلم يتحركوا ولا خرجوا من منزلهم وكان نزولهم يوم
الربعاء 21ربيع الخر فلما رهم لا يتحركون نزل على طبريه وهاجمها وخذها في ساعه واحده
وبقيت القلعه محتميه بمن فيها ولما بلغ العدو ما جرى على طبريه قلقوا لذلك ورحلوا
نحوها فبلغ السلطان ذلك فترك على طبريه من يحاصر قلعتها ولحق بالعسكر فالتقى بالعدو على
سطح جبل طبريه الغربي منها وذلك في يوم الخميس 22 ربيع الخر وحال الليل بين
المعسكرين قياما على مصاف الى بكره يوم الجمعه فركب الجيشان وتصادما والتحم القتال واشتد المر
وذلك برض قريه تعرف بلوبيا وضاق الخناق بالعدو وهم سائرون كنهم يساقون الى الموت وهم
ينظرون وقد ايقنوا بالويل والثبور وحست نفوسهم انهم في غد يومهم ذلك من زوار القبور
ولم تزل الحرب تضطرم والفارس مع قرنه يصطدم ولم يبق الا الظفر ووقع الوبال على
من كفر فحال بينهم الليل بظلامه وبات كل واحد من الفريقين في سلاحه الى صبيحه
يوم السبت فطلب كل من الفريقين مقامه وتحقق المسلمون ان من ورائهم الردن ومن بين
ايديهم بلاد العدو ونهم لا ينجيهم الا الاجتهاد في الجهاد فحملت جيوش المسلمين من جميع
الجوانب وحمل القلب وصاحوا صيحه رجل واحد فلقى الله الرعب في قلوب الكافرين وكان حقا
عليه نصر المؤمنين ولما احس القوم بالخذلان هرب منهم في اوائل المر وقصد جهه صور
وتبعه جماعه من المسلمين فنجا منهم وكفى الله شره وحاط المسلمون بالصليبيين من كل جانب
وطلقوا عليهم السهام وحكموا فيهم السيوف وسقوهم كس الحمام وانهزمت طائفه منهم فتبعها ابطال المسلمين
فلم ينج منها احد واعتصمت طائفه منهم بتل يقال له تل حطين وهي قريه عندها
قبر النبي شعيب عليه السلام فضايقهم المسلمون وشعلوا حولهم النيران واشتد بهم العطش وضاق بهم
المر حتى كانوا يستسلمون للمر خوفا من القتل لما مر بهم فسر مقدموهم وقتل الباقون.

وكان ممن سلم من مقدميهم الملك جفري وخوه والبرنس ارناط صاحب الكرك والشوبك وابن الهنفري
وابن صاحبه طبريه ومقدم الديويه وصاحب جبيل ومقدم السبتار.
قال ابن شداد: ولقد حكي لي من اثق به انه رى بحوران شخصا واحدا معه
نيف وثلاثون اسيرا قد ربطهم بوتد خيمه لما وقع عليهم من الخذلان.
وما ارناط فان صلاح الدين كان قد نذر انه ان ظفر به قتله وذلك لنه
كان قد عبر به عند الشوبك قوم من مصر في حال الصلح فغدر بهم وقتلهم
فناشدوه الصلح الذي بينه وبين المسلمين فقال ما يتضمن الاستخفاف بالنبي (صلى الله عليه وسلم)
وبلغ السلطان فحملته حميته ودينه على ان يهدر دمه.

من مواقف صلاح الدين
لما فتح الله تعالى عليه بنصره في حطين جلس صلاح الدين في دهليز الخيمه لنها
لم تكن نصبت بعد وعرضت عليه السارى وسار الناس يتقربون اليه بمن في ايديهم منهم
وهو فرح بما فتح الله تعالى على يده للمسلمين ونصبت له الخيمه فجلس فيها شاكرا
لله تعالى على ما انعم به عليه واستحضر الملك جفري وخاه و ارناط وناول السلطان
جفري شربه من جلاب وثلج فشرب منها وكان على اشد حال من العطش ثم ناولها
لرناط وقال السلطان للترجمان قل للملك انت الذي سقيته ولا انا فما سقيته وكان من
جميل عاده العرب وكريم اخلاقهم ان السير اذا اكل او شرب من مال من اسره
امن فقصد السلطان بقوله ذلك ثم امر بمسيرهم الى موضع عينه لهم فمضوا بهم اليه
فكلوا شيئا ثم عادوا بهم ولم يبق عنده سوى بعض الخدم فاستحضرهم وقعد الملك في
دهليز الخيمه.
وحضر صلاح الدين ارناط ووقفه بين يديه وقال له: ها انا انتصر لمحمد منك ثم
عرض عليه السلام فلم يفعل فسل سيفه فضربه بها فحل كتفه وتمم قتله من حضر
وخرجت جثته ورميت على باب الخيمه،فلما ره الملك على تلك الحال لم يشك في انه
يلحقه به فاستحضره وطيب قلبه وقال له لم تجر عاده الملوك ان يقتلوا الملوك وما
هذا فنه تجاوز الحد وتجرا على النبياء صلوات الله عليهم وبات الناس في تلك الليله
على اتم سرور ترتفع اصواتهم بحمد الله وشكره وتهليله وتكبيره حتى طلع الفجر ثم نزل
السلطان على طبريه يوم الحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الخر وتسلم قلعتها في ذلك
النهار وقام عليها الى يوم الثلاثاء.
قصة صلاح الدين الايوبي كاملة 20160725 1347
تحرير عكا وما حولها
ورحل صلاح الدين طالبا عكا فكان نزوله عليها يوم الربعاء وقاتل الصليبيين بها بكره يوم
الخميس مستهل جمادى الولى سنه 583ه فخذها واستنقذ من كان بها من اسارى المسلمين وكانوا
اكثر من اربعه الاف نفس واستولى على ما فيها من الموال والذخائر والبضائع لنها كانت
مظنه التجار وتفرقت العساكر في بلاد الساحل يخذون الحصون والقلاع والماكن المنيعه فخذوا نابلس وحيفا
وقيساريه وصفوريه والناصره وكان ذلك لخلوها من الرجال لن القتل والسر افنى كثيرا منهم ولما
استقرت قواعد عكا وقسم اموالها وساراها سار يطلب تبنين فنزل عليها يوم الحد حادي عشر
جمادى الولى وهي قلعه منيعه فنصب عليها المناجيق وضيق بالزحف خناق من فيها، فقاتلوا قتالا
شديدا ونصره الله سبحانه عليهم فتسلمها منهم يوم الحد ثامن عشره عنوه وسر من بقي
فيها بعد القتل ثم رحل عنها الى صيدا فنزل عليها وتسلمها في غد يوم نزوله
عليها وهو يوم الربعاء العشرون من جمادى الولى وقام عليها ريثما قرر قواعدها وسار حتى
اتى بيروت فنازلها ليله الخميس الثاني والعشرين من جمادى الولى وركب عليها المجانيق وداوم الزحف
والقتال حتى اخذها في يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر المذكور وتسلم اصحابه جبيل وهو
على بيروت، ولما فرغ من هذا الجانب رى ان قصده عسقلان اولى لنها ايسر من
صور فتى عسقلان ونزل عليها يوم الحد السادس عشر من جمادى الخره من السنه وتسلم
في طريقه اليها مواضع كثيره كالرمله والداروم وقام في عسقلان المناجيق وقاتلها قتالا شديدا وتسلمها
في يوم السبت نهايه جمادى الخره من السنه وقام عليها الى ان تسلم اصحابه غزه
وبيت جبريل والنطرون بغير قتال وكان بين فتح عسقلان وخذ الفرنج لها من المسلمين خمس
وثلاثون سنه فنهم كانوا اخذوها من المسلمين في السابع والعشرين من جمادى الخره سنه 548ه.

قصة صلاح الدين الايوبي كاملة 20160725 1348
تحرير القدس
قال ابن شداد: لما تسلم صلاح الدين عسقلان والماكن المحيطه بالقدس شمر عن ساق الجد
والاجتهاد في قصد القدس المبارك واجتمعت اليه العساكر التي كانت متفرقه في الساحل فسار نحوه
معتمدا على الله تعالى مفوضا امره اليه منتهزا الفرصه في فتح باب الخير الذي حث
على انتهازه بقوله من فتح له باب خير فلينتهزه فنه لا يعلم متى يغلق دونه
وكان نزوله عليه في يوم الحد الخامس عشر من رجب سنه 583ه وكان نزوله بالجانب
الغربي وكان معه من كان مشحونا بالمقاتله من الخياله والرجاله وحزر اهل الخبره ممن كان
معه من كان فيه من المقاتله فكانوا يزيدون على ستين الفا خارجا عن النساء والصبيان
ثم انتقل لمصلحه رها الى الجانب الشمالي في يوم الجمعه العشرين من رجب ونصب المناجيق
وضايق البلد بالزحف والقتال حتى اخذ النقب في السور مما يلي وادي جهنم ولما رى
اعداء الله الصليبيون ما نزل بهم من المر الذي لا مدفع له عنهم وظهرت لهم
امارات فتح المدينه وظهور المسلمين عليهم وكان قد اشتد روعهم لما جرى على ابطالهم وحماتهم
من القتل والسر وعلى حصونهم من التخريب والهدم وتحققوا انهم صائرون الى ما صار اولئك
اليه فاستكانوا وخلدوا الى طلب المان واستقرت المور بالمراسله من الطائفتين وكان تسلمه في يوم
الجمعه السابع والعشرين من رجب وليلته كانت ليله المعراج المنصوص عليها في القرن الكريم فانظر
الى هذا الاتفاق العجيب كيف يسر الله تعالى عوده الى المسلمين في مثل زمان السراء
بنبيهم وهذه علامه قبول هذه الطاعه من الله تعالى وكان فتحه عظيما شهده من اهل
العلم خلق ومن ارباب الخرق والزهد عالم وذلك ان الناس لما بلغهم ما يسره الله
تعالى على يده من فتوح الساحل وقصده القدس قصده العلماء من مصر والشام بحيث لم
يتخلف احد منهم وارتفعت الصوات بالضجيج بالدعاء والتهليل والتكبير وصليت فيه الجمعه يوم فتحه وخطب
القاضي محيي الدين محمد بن علي المعروف بابن الزكي.
وقد كتب عماد الدين الصبهاني رساله في فتح القدس،وجمع كتابا سماه الفتح القسي في الفتح
القدسي وهو في مجلدين ذكر فيه جميع ما جرى في هذه الواقعه.
وكان قد حضر الرشيد ابو محمد عبد الرحمن بن بدر بن الحسن بن مفرج النابلسي
الشاعر المشهور هذا الفتح فنشد السلطان صلاح الدين قصيدته التي اولها:
هذا الذي كانت المال تنتظر*****فليوف لله اقوام بما نذروا
وهي طويله تزيد على مائه بيت يمدحه ويهنيه بالفتح.
يقول بهاء الدين بن شداد في السيره الصلاحيه: نكس الصليب الذي كان على قبه الصخره
وكان شكلا عظيما ونصر الله السلام على يده نصرا عزيزا ، وكان الفرنج قد استولوا
على القدس سنه 492ه ولم يزل بيديهم حتى استنقذه منهم صلاح الدين، وكانت قاعده الصلح
انهم قطعوا على انفسهم عن كل رجل عشرين دينارا وعن كل امره خمسه دنانير صوريه
وعن كل صغير ذكر او انثى دينارا واحدا فمن احضر قطيعته نجا بنفسه ولا اخذ
اسيرا وفرج عمن كان بالقدس من اسرى المسلمين وكانوا خلقا عظيما وقام به يجمع الموال
ويفرقها على المراء والرجال ويحبو بها الفقهاء والعلماء والزهاد والوافدين عليه وتقدم بيصال من قام
بقطيعته الى ممنه وهي مدينه صور ولم يرحل عنه ومعه من المال الذي جبي له
شيء وكان يقارب مائتي الف دينار وعشرين الفا وكان رحيله عنه يوم الجمعه الخامس والعشرين
من شعبان من سنه 583ه

حصار صور
يقول بن شداد: لما فتح صلاح الدين القدس حسن عنده قصد صور وعلم انه ان
اخر امرها ربما عسر عليه فسار نحوها حتى اتى عكا فنزل عليها ونظر في امورها
ثم رحل عنها متوجها الى صور في يوم الجمعه خامس شهر رمضان من السنه(583) فنزل
قريبا منها وسير لحضار الات القتال ولما تكاملت عنده نزل عليها في ثاني عشر الشهر
المذكور وقاتلها وضايقها قتالا عظيما واستدعى اسطول مصر فكان يقاتلها في البر والبحر ثم سير
من حاصر هونين فسلمت في الثالث والعشرين من شوال من السنه، ثم خرج اسطول صور
في الليل فهاجم اسطول المسلمين وخذوا المقدم والريس وخمس قطع للمسلمين وقتلوا خلقا كثيرا من
رجال المسلمين وذلك في السابع والعشرين من الشهر المذكور وعظم ذلك على السلطان وضاق صدره
وكان الشتاء قد هجم وتراكمت المطار وامتنع الناس من القتال لكثره المطار فجمع المراء واستشارهم
فيما يفعل فشاروا عليه بالرحيل لتستريح الرجال ويجتمعوا للقتال فرحل عنها وحملوا من الات الحصار
ما امكن وحرقوا الباقي الذي عجزوا عن حمله لكثره الوحل والمطر وكان رحيله يوم الحد
ثاني ذي القعده من السنه وتفرقت العساكر وعطى كل طائفه منها دستورا وسار كل قوم
الى بلادهم وقام هو مع جماعه من خواصه بمدينه عكا الى ان دخلت سنه 584ه

ثم نزل على كوكب في اوائل المحرم من السنه ولم يبق معه من العسكر الا
القليل وكان حصنا حصينا وفيه الرجال والقوات فعلم انه لا يؤخذ الا بقتال شديد فرجع
الى دمشق، وقام بدمشق خمسه ايام. ثم بلغه ان الفرنج قصدوا جبيل واغتالوها فخرج مسرعا
وكان قد سير يستدعي العساكر من جميع المواضع وسار يطلب جبيل فلما عرف الفرنج بخروجه
كفوا عن ذلك.

بقيه فتوح الشام
قال ابن شداد في السيره: لما كان يوم الجمعه رابع جمادى الولى من سنه 584ه
دخل السلطان بلاد العدو على تعبيه حسنه ورتب الطلاب وسارت الميمنه اولا ومقدمها عماد الدين
زنكي والقلب في الوسط والميسره في الخير ومقدمها مظفر الدين ابن زين الدين فوصل الى
انطرسوس ضاحي نهار الحد سادس جمادى الولى فوقف قبالتها ينظر اليها لن قصده كان جبله
فاستهان بمرها وعزم على قتالها فسير من رد الميمنه ومرها بالنزول على جانب البحر والميسره
على الجانب الخر ونزل هو موضعه والعساكر محدقه بها من البحر الى البحر وهي مدينه
راكبه على البحر ولها برجان كالقلعتين فركبوا وقاربوا البلد وزحفوا واشتد القتال وباغتوها فما استتم
نصب الخيام حتى صعد المسلمون سورها وخذوها بالسيف وغنم المسلمون جميع من بها وما بها
وحرق البلد و اقام عليها الى رابع عشر جمادى الولى وسلم احد البرجين الى مظفر
الدين فما زال يحاربه حتى اخربه واجتمع به ولده الملك الظاهر لنه كان قد طلبه
فجاءه في عسكر عظيم، ثم سار يريد جبله وكان وصوله اليها في ثاني عشر جمادى
الولى وما استتم نزول العسكر عليها حتى اخذ البلد وكان فيه مسلمون مقيمون وقاض يحكم
بينهم وقوتلت القلعه قتالا شديدا ثم سلمت بالمان في يوم السبت تاسع عشر جمادى الولى
من السنه وقام عليها الى الثالث والعشرين منه، ثم سار عنها الى اللاذقيه وكان نزوله
عليها يوم الخميس الرابع والعشرين من جمادى الولى وهو بلد مليح خفيف على القلب غير
مسور وله ميناء مشهور وله قلعتان متصلتان على تل يشرف على البلد واشتد القتال الى
اخر النهار فخذ البلد دون القلعتين وغنم الناس منه غنيمه عظيمه لنه كان بلد التجار
وجدوا في امر القلعتين بالقتال والنقوب حتى بلغ طول النقب ستين ذراعا وعرضه اربعه اذرع
فلما رى اهل القلعتين الغلبه لاذوا بطلب المان وذلك في عشيه يوم الجمعه الخامس والعشرين
من الشهر والتمسوا الصلح على سلامه نفوسهم وزراريهم ونسائهم وموالهم ما خلا الذخائر والسلاح ولات
الحرب فجابهم الى ذلك ورفع العلم السلامي عليها يوم السبت وقام عليها الى يوم الحد
السابع والعشرين من جمادى الولى فرحل عنها الى صهيون فنزل عليها يوم الثلاثاء التاسع والعشرين
من الشهر واجتهد في القتال فخذ البلد يوم الجمعه ثاني جمادى الخره ثم تقدموا الى
القلعه وصدقوا القتال فلما عاينوا الهلاك طلبوا المان فجابهم اليه بحيث يؤخذ من الرجل عشره
دنانير ومن المره خمسه دنانير ومن كل صغير ديناران الذكر والنثى سواء و اقام السلطان
بهذه الجهه حتى اخذ عده قلاع منها بلاطنس وغيرها من الحصون المنيعه المتعلقه بصهيون، ثم
رحل عنها وتى بكاس وهي قلعه حصينه على العاصي ولها نهر يخرج من تحتها وكان
النزول عليها يوم الثلاثاء سادس جمادى الخره وقاتلوها قتالا شديدا الى يوم الجمعه تاسع الشهر
ثم يسر الله فتحها عنوه فقتل اكثر من بها وسر الباقون وغنم المسلمون جميع ما
كان فيها ولها قليعه تسمى الشغر وهي في غايه المنعه يعبر اليها منها بجسر وليس
عليها طريق فسلطت المناجيق عليها من جميع الجوانب وروا انهم لا ناصر لهم فطلبوا المان
وذلك يوم الثلاثاء ثالث عشر الشهر ثم سلوا المهله ثلاثه ايام فمهلوا وكان تمام فتحها
وصعود العلم السلطاني على قلعتها يوم الجمعه سادس عشر الشهر.
ثم سار الى برزيه وهي من الحصون المنيعه في غايه القوه يضرب بها المثل في
بلاد الفرنج تحيط بها اوديه من جميع جوانبها وعلوها خمسمائه ونيف وسبعون ذراعا وكان نزوله
عليها يوم السبت الرابع والعشرين من الشهر ثم اخذها عنوه يوم الثلاثاء السابع والعشرين منه.

ثم سار الى دربساك فنزل عليها يوم الجمعه ثامن رجب وهي قلعه منيعه وقاتلها قتالا
شديدا ورقي العلم السلامي عليها يوم الجمعه الثاني والعشرين من رجب وعطاها المير علم الدين
سليمان بن جندر وسار عنها بكره يوم السبت الثالث والعشرين من الشهر.
ونزل على بغراس وهي قلعه حصينه بالقرب من انطاكيه وقاتلها مقاتله شديده وصعد العلم السلامي
عليها في ثاني شعبان وراسله اهل انطاكيه في طلب الصلح فصالحهم لشده ضجر العسكر من
البيكار وكان الصلح معهم لا غير على ان يطلقوا كل اسير عندهم والصلح الى سبعه
اشهر فن جاءهم من ينصرهم و سلموا البلد.
ثم رحل السلطان فسله ولده الملك الظاهر صاحب حلب ان يجتاز به فجابه الى ذلك
فوصل حلب في حادي عشر شعبان اقام بالقلعه ثلاثه ايام وولده يقوم بالضيافه حق القيام،
وسار من حلب فاعترضه تقي الدين عمر ابن اخيه وصعده الى قلعه حماه وصنع له
طعاما وحضر له سماعا من جنس ما تعمل الصوفيه وبات فيها ليله واحده وعطاه جبله
واللاذقيه، وسار على طريق بعلبك ودخل دمشق قبل شهر رمضان بيام يسيره، ثم سار في
اوائل شهر رمضان يريد صفد فنزل عليها ولم يزل القتال حتى تسلمها بالمان في رابع
عشر شوال.
ثم سار الى كوكب وضايقوها وقاتلوها مقاتله شديده والمطار متواتره والوحول متضاعفه والرياح عاصفه والعدو
متسلط بعلو مكانه فلما تيقنوا انهم مخوذون طلبوا المان فجابهم اليه وتسلمها منهم في منتصف
ذي القعده من السنه.

الصليبيون في عكا
بلغ صلاح الدين ان الفرنج قصدوا عكا ونزلوا عليها يوم الاثنين ثالث عشر رجب سنه
585ه فتى عكا ودخلها بغته لتقوى قلوب من بها و استدعى العساكر من كل ناحيه
فجاءته وكان العدو بمقدار الفي فارس وثلاثين الف راجل ثم تكاثر الفرنج واستفحل امرهم وحاطوا
بعكا ومنعوا من يدخل اليها ويخرج وذلك يوم الخميس فضاق صدر السلطان لذلك ثم اجتهد
في فتح الطريق اليها لتستمر السابله بالميره والنجده وشاور المراء فاتفقوا على مضايقه العدو لينفتح
الطريق ففعلوا ذلك وانفتح الطريق وسلكه المسلمون ودخل السلطان عكا فشرف على امورها ثم جرى
بين الفريقين مناوشات في عده ايام وتخر الناس الى تل العياضيه وهو مشرف على عكا
وفي هذه المنزله توفي المير حسام الدين طمان وذلك ليله نصف شعبان من سنه خمس
وثمانين وخمسمائه وكان من الشجعان.
قال ابن شداد سمعت السلطان ينشد وقد قيل له ان الوخم قد عظم بمرج عكا
ون الموت قد فشا في الطائفتين :
اقتلاني ومالكا*****واقتلا مالكا معي
يريد بذلك انه قد رضي ان يتلف اذا اتلف الله اعداءه، وهذا البيت له سبب
يحتاج الى شرح وذلك ان مالك بن الحارث المعروف بالشتر النخعي كان من الشجعان والبطال
المشهورين وهو من خواص اصحاب علي بن ابي طالب رضي الله عنه تماسك في يوم
معركه الجمل المشهوره هو وعبد الله بن الزبير بن العوام وكان ايضا من البطال وابن
الزبير يومئذ مع خالته عائشه ام المؤمنين وطلحه والزبير رضي الله عنهم اجمعين وكانوا يحاربون
عليا رضي الله عنه فلما تماسكا صار كل واحد منهما اذا قوي على صاحبه جعله
تحته وركب صدره وفعلا ذلك مرارا وابن الزبير ينشد :
اقتلاني ومالكا*****واقتلا مالكا معي
يريد الشتر النخعي.
قال ابن شداد ثم ان الفرنج جاءهم المداد من داخل البحر واستظهروا على الجيوش السلاميه
بعكا وكان فيهم المير سيف الدين علي بن احمد المعروف بالمشطوب الهكاري والمير بهاء الدين
قراقوش الخادم الصلاحي وضايقوهم اشد مضايقه الى ان غلبوا عن حفظ البلد فلما كان يوم
الجمعه سابع عشر جمادى الخره من سنه 587ه خرج من عكا رجل عوام ومعه كتب
من المسلمين يذكرون حالهم وما هم فيه ونهم قد تيقنوا الهلاك ومتى اخذوا البلد عنوه
ضربت رقابهم ونهم صالحوا على ان يسلموا البلد وجميع ما فيه من اللات والعده والسلحه
والمراكب ومائتي الف دينار وخمسمائه اسير مجاهيل ومائه اسير معينين من جهتهم وصليب الصلبوت على
ان يخرجوا بنفسهم سالمين وما معهم من الموال والقمشه المختصه بهم وزراريهم ونسائهم وضمنوا للمركيس
لنه كان الواسطه في هذا المر اربعه الاف دينار ولما وقف السلطان على الكتب المشار
اليها انكر ذلك انكارا عظيما وعظم عليه هذا المر وجمع اهل الري من اكابر دولته
وشاورهم فيما يصنع واضطربت اراؤه وتقسم فكره وتشوش حاله وعزم على ان يكتب في تلك
الليله مع العوام وينكر عليهم المصالحه على هذا الوجه وهو يتردد في هذا فلم يشعر
الا وقد ارتفعت اعلام العدو وصلبانه وناره وشعاره على سور البلد وذلك في ظهيره يوم
الجمعه سابع عشر جمادى الخره من السنه وصاح الفرنج صيحه عظيمه واحده وعظمت المصيبه على
المسلمين واشتد حزنهم ووقع فيهم الصياح والعويل والبكاء والنحيب.
ثم ذكر ابن شداد بعد هذا ان الفرنج خرجوا من عكا قاصدين عسقلان ليخذوها وساروا
على الساحل والسلطان وعساكره في قبالتهم الى ان وصلوا الى ارسوف فكان بينهما قتال عظيم
ونال المسلمين منه وهن شديد ثم ساروا على تلك الهيئه تتمه عشر منازل من مسيرهم
من عكا فتى السلطان الرمله وتاه من اخبره بن القوم على عزم عماره يافا وتقويتها
بالرجال والعدد واللات فحضر السلطان ارباب مشورته وشاورهم في امر عسقلان وهل الصواب خرابها ام
بقاؤها فاتفقت اراؤهم ان يبقى الملك العادل في قباله العدو ويتوجه هو بنفسه ويخربها خوفا
من ان يصل العدو اليها ويستولي عليها وهي عامره ويخذ بها القدس وتنقطع بها طريق
مصر وامتنع العسكر من الدخول وخافوا مما جرى على المسلمين بعكا وروا ان حفظ القدس
اولى فتعين خرابها من عده جهات وكان هذا الاجتماع يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنه
سبع وثمانين وخمسمائه فسار اليها فجر الربعاء ثامن عشر الشهر قال ابن شداد وتحدث معي
في معنى خرابها بعد ان تحدث مع ولده الملك الفضل في امرها ايضا ثم قال
لن افقد ولدي جميعهم احب الي من ان اهدم منها حجرا ولكن اذا قضى الله
تعالى ذلك وكان فيه مصلحه للمسلمين فما الحيله في ذلك قال ولما اتفق الري على
خرابها اوقع الله تعالى في نفسه ذلك ون المصلحه فيه لعجز المسلمين عن حفظها وشرع
في خرابها فجر يوم الخميس التاسع عشر من شعبان من السنه وقسم السور على الناس
وجعل لكل امير وطائفه من العسكر بدنه معلومه وبرجا معينا يخربونه ودخل الناس البلد ووقع
فيهم الضجيج والبكاء وكان بلدا خفيفا على القلب محكم السوار عظيم البناء مرغوبا في سكنه
فلحق الناس على خرابه حزن عظيم وعظم عويل اهل البلد عليه لفراق اوطانهم وشرعوا في
بيع ما لا يقدرون على حمله فباعوا ما يساوي عشره دراهم بدرهم واحد وباعوا اثني
عشر طير دجاج بدرهم واحد واختبط البلد وخرج الناس بهلهم وولادهم الى المخيم وتشتتوا فذهب
قوم منهم الى مصر وقوم الى الشام وجرت عليهم امور عظيمه واجتهد السلطان وولاده في
خراب البلد كي لا يسمع العدو فيسرع اليه ولا يمكن من خرابه وبات الناس على
اصعب حال وشد تعب مما قاسوه في خرابها وفي تلك الليله وصل من جانب الملك
العادل من اخبر ان الفرنج تحدثوا معه في الصلح وطلبوا جميع البلاد الساحليه فرى السلطان
ان ذلك مصلحه لما علم من نفس الناس من الضجر من القتال وكثره ما عليهم
من الديون وكتب اليه يذن له في ذلك وفوض المر الى ريه وصبح يوم الجمعه
العشرين من شعبان وهو مصر على الخراب واستعمل الناس عليه وحثهم على العجله فيه وباحهم
ما في الهري الذي كان مدخرا للميره خوفا من هجوم الفرنج والعجز عن نقله ومر
بحراق البلد فضرمت النيران في بيوته وكان سورها عظيما ولم يزل الخراب يعمل في البلد
الى نهايه شعبان من السنه وصبح يوم الثنين مستهل شهر رمضان امر ولده الملك الفضل
ان يباشر ذلك بنفسه وخواصه ولقد ريته يحمل الخشب بنفسه لجل الحراق، وفي يوم الربعاء
ثالث شهر رمضان اتى الرمله ثم خرج الى “اللد” وشرف عليها ومر بخرابها وخراب قلعه
الرمله ففعل ذلك وفي يوم السبت ثالث عشر شهر رمضان تخر السلطان بالعسكر الى جهه
الجبل ليتمكن الناس من تسيير دوابهم لحضار ما يحتاجون اليه ودار السلطان حول النطرون وهي
قلعه منيعه فمر بتخريبها وشرع الناس في ذلك.

الصلح مع الصليبيين
ثم ذكر ابن شداد بعد هذا ان الانكتار وهو من اكابر ملوك الفرنج سير رسوله
الى الملك العادل يطلب الاجتماع به فجابه الى ذلك واجتمعا يوم الجمعه ثامن عشر شوال
من السنه وتحادثا معظم ذلك النهار وانفصلا عن موده اكيده والتمس الانكتار من العادل ان
يسل السلطان ان يجتمع به فذكر العادل ذلك للسلطان فاستشار اكابر دولته في ذلك ووقع
الاتفاق على انه اذا جرى الصلح بيننا يكون الاجتماع بعد ذلك ثم وصل رسول الانكتار
وقال ان الملك يقول اني احب صداقتك ومودتك ونت تذكر انك اعطيت هذه البلاد الساحليه
لخيك فريد ان تكون حكما بيني وبينه وتقسم البلاد بيني وبينه ولا بد ان يكون
لنا علقه بالقدس وطال الحديث في ذلك فجابه السلطان بوعد جميل وذن له في العود
في الحال وتثر لذلك تثرا عظيما قال ابن شداد وبعد انفصال الرسول قال لي السلطان
متى صالحناهم لم تؤمن غائلتهم ولو حدث بي حادث الموت ما كانت تجتمع هذه العساكر
وتقوى الفرنج والمصلحه ان لا نزول عن الجهاد حتى نخرجهم من الساحل او يتينا الموت
هذا كان ريه ونما غلب على الصلح.
قال ابن شداد ثم ترددت الرسل بينهم في الصلح و تم الصلح بينهم يوم الربعاء
الثاني والعشرين من شعبان سنه 588ه ونادى المنادي بانتظام الصلح ون البلاد السلاميه والنصرانيه واحده
في المن والمسالمه فمن شاء من كل طائفه يتردد الى بلاد الطائفه الخرى من غير
خوف ولا محذور وكان يوما مشهودا نال الطائفتين فيه من المسره ما لا يعلمه الا
الله تعالى وقد علم الله تعالى ان الصلح لم يكن عن مرضاته ويثاره ولكنه رى
المصلحه في الصلح لسمه العسكر ومظاهرتهم بالمخالفه وكان مصلحه في علم الله تعالى فنه اتفقت
وفاته بعد الصلح فلو اتفق ذلك في اثناء وقعاته كان السلام على خطر.
ثم اعطى للعساكر الوارده عليه من البلاد البعيده برسم النجده دستورا فساروا عنه وعزم على
الحج لما فرغ باله من هذه الجهه وتردد المسلمون الى بلادهم وجاءوا هم الى بلاد
المسلمين وحملت البضائع والمتاجر الى البلاد وحضر منهم خلق كثير لزياره القدس.

واخر ايامه
بعد الصلح سنه 588ه توجه السلطان الى القدس ليتفقد احوالها وتوجه اخوه الملك العادل الى
الكرك وابنه الملك الظاهر الى حلب وابنه الفضل الى دمشق وقام السلطان بالقدس يقطع الناس
ويعطيهم دستورا ويتهب للمسير الى الديار المصريه وانقطع شوقه عن الحج ولم يزل كذلك الى
ان صح عنده مسير مركب الانكتار متوجها الى بلاده في مستهل شوال فعند ذلك قوي
عزمه ان يدخل الساحل جريده يتفقد القلاع البحريه الى بانياس ويدخل دمشق ويقيم بها اياما
قلائل ويعود الى القدس ومنه الى الديار المصريه.
قال ابن شداد: ومرني صلاح الدين بالمقام في القدس الى حين عوده لعماره مارستان انشه
به وتكميل المدرسه التي انشها فيه وسار منه ضاحي نهار الخميس السادس من شوال سنه
ثمان وثمانين وخمسمائه ولما فرغ من افتقاد احوال القلاع وزاحه خللها دخل دمشق بكره الربعاء
سادس عشر شوال وفيها اولاده الملك الفضل والملك الظاهر والملك الظافر مظفر الدين الخضر المعروف
بالمشعر وولاده الصغار وكان يحب البلد ويؤثر القامه فيه على سائر البلاد وجلس للناس في
بكره يوم الخميس السابع والعشرين منه وحضروا عندهم وبلوا شوقهم منه ونشده الشعراء ولم يتخلف
احد عنه من الخواص والعوام وقام ينشر جناح عدله ويهطل سحاب انعامه وفضله ويكشف مظالم
الرعايا فلما كان يوم الاثنين مستهل ذي القعده عمل الملك الفضل دعوه للملك الظاهر لنه
لما وصل الى دمشق وبلغه حركه السلطان اقام بها ليتملى بالنظر اليه ثانيا وكن نفسه
كانت قد احست بدنو اجله فودعه في تلك الدفعه مرارا متعدده ولما عمل الملك الفضل
الدعوه اظهر فيها من الهمم العاليه ما يليق بهمته وكنه اراد بذلك مجازاته ما خدمه
به حين وصل الى بلده وحضر الدعوه المذكوره ارباب الدنيا والخره وسل السلطان الحضور فحضر
جبرا لقلبه وكان يوما مشهودا على ما بلغني.
ولما تصفح الملك العادل احوال الكرك وصلح ما قصد اصلاحه فيه سار قاصدا الى البلاد
الفراتيه فوصل الى دمشق في يوم الربعاء سابع عشر ذي القعده وخرج السلطان الى لقائه
وقام يتصيد حوالي غباغب الى الكسوه حتى لقيه وسارا جميعا يتصيدان وكان دخولهما الى دمشق
اخر نهار يوم الحد حادي عشر ذي الحجه سنه ثمان وثمانين وقام السلطان بدمشق يتصيد
هو وخوه وولاده ويتفرجون في اراضي دمشق ومواطن الصبا وكنه وجد راحه مما كان به
من ملازمه التعب والنصب وسهر الليل وكان ذلك كالوداع لولاده ومراتع نزهه ونسي عزمه الى
مصر وعرضت له امور اخر وعزمات غير ما تقدم.

وفاه صلاح الدين
قال ابن شداد: وصلني كتاب صلاح الدين الى القدس يستدعيني لخدمته وكان شتاء شديدا ووحلا
عظيما فخرجت من القدس في يوم الجمعه الثالث والعشرين من المحرم سنه 589ه وكان الوصول
الى دمشق في يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر من السنه وركب السلطان لملتقى الحاج يوم
الجمعه خامس عشر صفر وكان ذلك اخر ركوبه، ولما كان ليله السبت وجد كسلا عظيما
وما تنصف الليل حتى غشيته حمى صفراويه وكانت في باطنه اكثر منها في ظاهره وصبح
يوم السبت متكاسلا عليه اثر الحمى ولم يظهر ذلك للناس لكن حضرت عنده انا والقاضي
الفاضل ودخل ولده الملك الفضل وطال جلوسنا عنده وخذ يشكو قلقه في الليل وطاب له
الحديث الى قريب الظهر ثم انصرفنا وقلوبنا عنده فتقدم الينا بالحضور على الطعام في خدمه
ولده الملك الفضل ولم تكن للقاضي الفاضل في ذلك عاده فانصرف ودخلت الى اليوان القبلي
وقد مد السماط وابنه الملك الفضل قد جلس في موضعه فانصرفت وما كانت لي قوه
في الجلوس استيحاشا له وبكى في ذلك اليوم جماعه تفاؤلا لجلوس ولده في موضعه ثم
اخذ المرض يتزيد من حينئذ ونحن نلازم التردد طرفي النهار وندخل اليه انا والقاضي الفاضل
في النهار مرارا وكان مرضه في رسه وكان من امارات انتهاء العمر غيبه طبيبه الذي
كان قد عرف مزاجه سفرا وحضرا ورى الطباء فصده ففصدوه فاشتد مرضه وقلت رطوبات بدنه
وكان يغلب عليه اليبس ولم يزل المرض يتزايد حتى انتهى الى غايه الضعف واشتد مرضه
في السادس والسابع والثامن ولم يزل يتزايد ويغيب ذهنه ولما كان التاسع حدثت له غشيه
وامتنع من تناول المشروب واشتد الخوف في البلد وخاف الناس ونقلوا اقمشتهم من السواق وعلا
الناس من الكبه والحزن ما لا تمكن حكايته ولما كان العاشر من مرضه حقن دفعتين
وحصل من الحقن بعض الراحه وفرح الناس بذلك ثم اشتد مرضه ويس منه الطباء ثم
شرع الملك الفضل في تحليف الناس، ثم انه توفي بعد صلاه الصبح من يوم الربعاء
السابع والعشرين من صفر سنه 589ه وكان يوم موته يوما لم يصب السلام والمسلمون بمثله
منذ فقد الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم وغشي القلعه والملك والدنيا وحشه لا يعلمها الا
الله تعالى وبالله لقد كنت اسمع من الناس انهم يتمنون فداء من يعز عليهم بنفوسهم
وكنت اتوهم ان هذا الحديث على ضرب من التجوز والترخص الى ذلك اليوم فني علمت
من نفسي ومن غيري انه لو قبل الفداء لفدي بالنفس.
ثم جلس ولده الملك الفضل للعزاء وغسله، وخرج بعد صلاه الظهر رحمه الله في تابوت
مسجى بثوب فوط فارتفعت الصوات عند مشاهدته وعظم الضجيج وخذ الناس في البكاء والعويل وصلوا
عليه ارسالا ثم اعيد الى الدار التي في البستان وهي التي كان متمارضا بها ودفن
في الصفه الغربيه منها وكان نزوله في حفرته قريبا من صلاه العصر.
ونشد بن شداد في اخر السيره بيت ابى تمام الطائي وهو:
ثم انقضت تلك السنون*****وهلها فكنها وكنهم احلام
رحمه الله تعالى وقدس روحه فلقد كان من محاسن الدنيا وغرائبها، وذكر ابن شداد :
انه مات ولم يخلف في خزانته من الذهب والفضه الا سبعه وربعين درهما ناصريه وجرما
واحدا ذهبا صوريا ولم يخلف ملكا لا دارا ولا عقارا ولا بستانا ولا قريه ولا
مزرعه.
وفي ساعه موته كتب القاضي الفاضل الى ولده الملك الظاهر صاحب حلب بطاقه مضمونها {لقد
كان لكم في رسول الله اسوه حسنه} {ن زلزله الساعه شيء عظيم} كتبت الى مولانا
السلطان الملك الظاهر احسن الله عزاءه وجبر مصابه وجعل فيه الخلف في الساعه المذكوره وقد
زلزل المسلمون زلزالا شديدا وقد حفرت الدموع المحاجر وبلغت القلوب الحناجر وقد ودعت اباك ومخدومي
وداعا لا تلاقي بعده وقد قبلت وجهه عني وعنك وسلمته الى الله تعالى مغلوب الحيله
ضعيف القوه راضيا عن الله ولا حول ولا قوه الا بالله وبالباب من الجنود المجنده
والسلحه المعده ما لم يدفع البلاء ولا ملك يرد القضاء وتدمع العين ويخشع القلب ولا
نقول الا ما يرضي الرب ونا عليك لمحزونون يا يوسف وما الوصايا فما تحتاج اليها
والراء فقد شغلني المصاب عنها وما لائح المر فنه ان وقع اتفاق فما عدمتم الا
شخصه الكريم ون كان غيره فالمصائب المستقبله اهونها موته وهو الهول العظيم والسلام

دور المام الغزالي في ظهور صلاح الدين اليوبي….من كتاب هكذا ظهر صلاح الدين وهكذا..
دور المام الغزالي في ظهور صلاح الدين اليوبي ( وجه اخر في شخصيه العلامه )
من كتاب هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس
هناك اناس علموا حقا ما يعنيه تكليف النسان بمهمه عماره الرض ، الذي ابتدئ منذ
خلقه ، بل وقبل ذلك حين قال الله عز و جل في قصه بدايه الخلق
للملائكه : (( اني جاعل في الرض خليفه )) .ومن بين هؤلاء المام الحجه ابو
حامد الغزالي ، الذي احيى – ليس بالحياء فقط – عقيده امه كانت قد شارفت
على الهلاك في ذلك الوقت .
كانت قد انهكتها الخلافات المذهبيه ، وسوء فهم الدين ، و النظر في كتب ائمه
المذاهب دون القرن الكريم ، وظهور الفرق التي خربطت عقائد المه في ذلك الوقت كالباطنيه
و الفلاسفه ، وسوء الحوال الاقتصاديه ، ونظام رسمالي مشابه للذي نعيشه هذا الوقت ،
يقوم على سوء توزيع الثروه ؛ اناس يموتون من الجوع و اناس يموتون من الشبع
، و ظهور ادعياء التصوف و القائلين بالحلول و الاتحاد ورفع التكليف ، وليس هذا
فحسب ما كان يعاصره الغزالي فحسب انما اكثر من ذلك مما هو مشابه لما نعايشه
، و قد استعرض المام تجربته الفريده من نوعها في ( المنقذ من الضلال )
.
في هذا الوقت الذي تعفنت فيه عقائد الناس وصبحوا (كالجاهليه همه احدهم بطنه وفرجه ،
لا يعرف معروفا و لا ينكر منكرا ) على حد تعبير المؤرخ ابو شامه في
كتاب الروضتين ، لم يستطع ابو الغزالي التوفيق بين هذه المنتاقضات ، فهو مدرس في
المدرسه النظاميه – اكبر صرح تعليمي في ذلك الوقت – ولكنه يدرس الدين في مجتمع
بعيد عن الدين ، ويعيش بين علماء و لكنهم يقولون ما لا يفعلون ، ينهون
عن الحسد و الكبر و العجب و قد اشربت نفوسهم به ، همهم الصراعات المذهبيه
و التقرب من السلطه السياسيه فصبحوا كموظفين الدوله .
علم الغزالي ان هذا ليس هو مفهوم الدين الذي نزل به الحبيب صلى الله عليه
وسلم ، وانسحب من هذا المجتمع واعتزل التدريس وترك جميع مناصبه ، فلجا لخاصه نفسه
ثم اخذ بتغيير ما بنفس الخرين ، و تنقل الغزالي في هذه الفتره بين العديد
من المدن ، ولف في هذه الفتره كتابه الشهير المنهج (الحياء) الذي وضع فيه القواعد
الصحيحه ، وربط فيه بين علم الظاهر ( الفقه ) وعلم الباطن ( التصوف )،
وعاد توجيه طرق تربيه المجتمع التي كان خرابها سبب خراب المجتمع ، فهو لم يفصل
بين الاثنين علم الظاهر و الباطن كما كان يفعل اغلبيه علماء السلطه في عصره الذين
ارتقوا بالفقه الى السلطان .
واعتمد في محاوله لعاده تقويم الواقع على القرن و السنه ، وليس كتب ائمه المذاهب
المتعصبين الذين لا يكفون عن القدح في مخالفيهم ، واعتمد في تشخيصه لمرض المجتمع على
الواقعيه و عدم المداراه في الباطل ، وبشكل رئيسي على قوله تعالى : (( ان
الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بنفسهم ))حيث كان يضع هذه اليه نصب
عينيه في كل حين .
ورغم انه في وقت الغزالي كانت الحروب الصليبيه تطحن في المسلمين طحنا ، الا انه
لم يكن يحرض على الجهاد العسكري فقد خلت كتاباته من ذلك ، على عكس ما
كان منتشر في ذلك الوقت من اشعار واستنفار لهمم ميته بشعارات لا تغير في مجريات
الحداث .
وسبب ذلك ان المام كان يضع اليه السابقه نصب عينيه ، فهو اعلم بطريقه انتصار
المم وكيقيه خرابها ودوران الدائره عليها ، وهو يعلم قوانين النصر التي اولها (( صحه
العقيده )) و العبوديه لله واحد وليس لرباب متفرقون كما كان في ذلك الوقت ،
(( ارباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار ))
مع تبني المام لفكره عدم الخوض في الجهاد العسكري ، كيف ظهر صلاح الدين اليوبي
الذي طرد الصليبيين بالقوه العسكريه ؟
………………………………………….. ………………………

مقدمه ظهور صلاح الدين (( الذي يحول دون ظهور القياده الواحده القويه هو بقاء القيادات
الضعيفه المتعدده المقيده بقيم العصبيه و الجاه الفردي و المكانه الاجتماعيه و الرغبه في الهيمنه
و التصرف في المقدرات العامه ،و الذي كان يحول دون رسوخ فكره التضحيه هو بقاء
الفراد و الجماعات مقيدين بتجاه الحرص على المكاسب و المتع الدنيويه .
وما من مطلب اصلاحي عام الا وكان يحول دون تحقيقه وجود فكره مضاده او قيمه
مناهضه ، تقيد عقول الفراد و الجماعات ، وتوجه سلوكهم وتشكل علاقاتهم )) مثل ما
يفعل المال و الجاه في وقتنا الحاضر .
وهذا عين ما قام به ابو حامد الغزالي الذي كان يعالج قابيله الهزيمه ( اسبابها
) بدل التباكي على مظاهر الهزيمه ( نتائجها ).
تشخيص الغزالي لمراض العصر :
فساد رساله العلماء : صلاح المجتمع وفساده يحدده العالقه بين السياسه و المجتمع ، فذا
كان هناك عقيده راسخه صافيه يدور في فلكها السياسه و الاجتماع ، وارتقى العلماء الممثلون
لهذه العقيده وخلصوا و تجردوا واحتلوا المكانه الولى في توجيه المجتمع صلح المجتمع وانتظمت الحياه
. اما حين تدور العقيده في فلك السياسه وتصبح الثانيه تابعه للولى ، يهبط العلماء
الممثلون لها ليكون دورهم لي اعناق نصوص العقيده بما يتوافق وري السلطان ، فيتسلل الخلل
و الفساد للمجتمع حتى ينتهي للانهيار و السقوط .
وثار هبوط العلماء هي :
1. الانشغال عن معالجه قضايا المجتمع الملحه ، بالقضايا الهامشيه ، كالخلافيات و الجداليات ،
مثل تركهم فروض الكفايه كالطب وانشغالهم بالفقه رغم كثره الفقهاء كونه سلم للسلطان .
2. التعصب المذهبي واختفاء صفات طالب العلم الحقيقي وزكاه نفسه .
3. تفتيت وحده المه بظهور المذاهب و الجماعات .
4. انتشار التدين السطحي بين علماء الدنيا ، و العوام ، ودعياء التصوف ، ارباب
المال الذين يحجون كل عام و جيرانهم جوعى .
وقد شخص المام قدس الله روحه في كل نقطه من هذه النقط تشخيصا مفصلا وافيا
بما فتح الله عليه من دقه الفهم و الحكمه و التحليل و الاستنباط .
بعد ان شخص الغزالي الدواء ( جعل هذا التشخيص مقدمه لاستخلاص ميادين العلاج ) وهي
:
1. العمل على ايجاد جيل جديد من العلماء و المربين : (( الداء العضال فقد
الطبيب ، فلطباء هم العلماء وقد مرضوا في هذه العصار مرضا شديدا عجزوا عن علاجه
.. لن الداء المهلك هو حب الدنيا ، وقد غلب هذا الداء على الطباء فلم
يقدروا على تحذير الخلق منه استنكافا ان يقال لهم : فما بالكم تمرون بالعلاج وتنسون
انفسكم ؟ فبهذا السبب عم على الخلق الداء و عظم الوباء و انقطع الدواء))كما قال
الغزالي في الحياء. وقد وضع المام الشروط التي يجب توافرها فيمن يقوم بتطبيب الناس من
مرض الدنيا
(2. وضع هدف جديد في التربيه و التعليم ومنهاج مؤدي لهذا الهدف . فبدل ان
يكون الهدف من التعليم هو تخريج موظفين للدوله يتولون المناصب الدينيه ( علماء دنيا) ،
وضع منهاج يخرج علماء الخره الذين يطبقون اهداف الدين ومفهومه الحقيقي . وهذا المنهاج هو
منهاج متكامل يصلح لن تقوم عليه انظمه اجتماعيه ومدارس تربويه كامله في اي عصر ،
وما احوج عصرنا لمثل منهاجك يا الغزالي .
3. احياء رساله المر بالمعروف و النهي عن المنكر : وهو مفهوم يختلف عن مفهوم
مؤسسه الحسبه اختلافا كليا ، فالحسبه مؤسسه تابعه للسلطه ، و المر بالمعروف و النهي
عن المنكر سلوك واجب على كل مؤمن لذلك اطلق عليه المام ( القطب العظم في
الدين ) فيبدا فيه المرء بنفسه فجيرانه فهل مدينته فالمدن الخرى فهل البوادي ( وهكذا
الى اقصى العالم ، وذا قام به الدنى سقط عن البعد … ولا يسقط الحرج
ما دام يبقى على وجه الرض جاهل بفرض من فروض دينه )) كما قال في
الحياء ..
4. نقد السلاطين الظلمه : وخاصه سياساتهم الماليه ، ولذلك حرم قبول اعطياتهم و الاستفاده
من مرافقهم التي يبنوها الا ما كان مؤقتا على سبيل الحاجه الماسه ، لنها من
مال حرام ، وكذلك الدراسه في مدارسهم ، وي تعامل معهم او مع معاونيهم من
شرطه و قضاه وغيرهم ، او التجاره في اسواقهم غفر الله لنا .
5. محاربه الماديه الجارفه و السلبي الدينيه ، وتصحيح التصور السائد عن الدنيا و الخره
: الماديه و السلبيه سببها اختلال العلاقه بين النسان و الدنيا و عدم المعرفه من
الحكمه من خلق الله للنسان و الدنيا و الخره . و التصور الصحيح هو ان
النسان يتزود من اشياءها تزود المسافر او ( (( الغريب )) ) فيتناول منها ما
يساعده في رحلته الى الخره فقط ، مما لا يبقي لها محلا في قلبه ..

6. الدعوه للعداله الاجتماعيه و ارساء مبادئ الاقتصاد السلامي: وبنى اراءه على ان (( المال
اله صبها الله في ايدي عباده لتكون عونا اله لدفع حاجاتهم و وسيله لتفرغوا لطاعاتهم
)) , ان (( في المال حق سوى الزكاه )) ، اضافه لمبادئ الاقتصاد السلامي
الخرى . 7. محاربه التيارات الفكريه المنحرفه : و التي تمثلت في لك الوقت بالباطنيه
التي نشت كديولوجيه سياسيه من قبل الكاسره لاسترجاع ملكهم الذي سلب بالفتوحات السلاميه ، و
الفلاسفه الذين تشربوا الفلسفه اليونانيه بما فيها من حكمه ولحاد وفي الوقت ذاته ، ووثنيه
احيانا اخرى ، فظهر منهم من يرفع نفسه في مكنه النبياء ويهمش الذات اللهيه سبحانه
وتعالى عما يصفون .
تناقل تلاميذ الغزالي فكره السليم جيلا بعد جيل و انتشروا في كل مكان ينشرون هذا
الفكر النوراني ، حتى تغيرت لفكار المجتمع وظهر علماء حقيقيون ، وخطو الخطوات الصحيحه ،
نحو امه اسلاميه قاده للرض ومعمره لها ، وخلفاء حقيقيون يعمرون الرض بالعبوديه لله وحده
، لا للسلطان و لا للمال ولا للنفس ولا للشيطان . وبعد هذه الغربله الفكريه
كان لازما ان يتحقق وعد الله جعل وعلى بتغيير ما في القوم من ذله للعداء
ونكوص وانكسار ، بعد ان غيروا ما بنفسهم وتابوا توبه جماعيه نصوح ، فدت المدارس
التي تنشر فكره السلام الحقيقي ، الى تخريج قيادات سياسيه وعسكريه اداريه ، فظهرت الدوله
الزنكيه اليوبيه ، وكانت تجمع بين الخلاص في العمل و الطريقه الفضل في اداءه ،
فتشكلت دوله اسلاميه حقه تذكرنا بالدوله السلاميه ايام الخلافه الراشده ، كتب الله على يديها
الفتوحات ، التي تتوجت بفتح القائد صلاح الدين اليوبي للقدس ، وهكذا ظهر جيل صلاح
الدين وهكذا عادت القدس …وانتهت الحكايه . واخيرا اقول للتكفيريين ………………….ارجوكم……….. لاتقولوا عن هذا الامام
وحجه الاسلام بانه ضال كافر واتقوا الله الجبار فانكم تؤذون رسول الله في وراثه
جعلها الله بدايه التفكير في سبل نصر المه في وقتنا الحاضر .

  • موضوع عن مواقف صلاح الدين الايوبي في التضحية بالنفس
  • حياة علاء الدين الايوبي ملخصة
  • مواقف صلاح الدين في التضحية بالنفس
  • ملك صلاح الدين الأيوبيّ قلعة حمص وبعلبك في شهر شعبان من العام
  • قصص صلاح الدين الايوبي
  • قصص صلاح الدين
  • قصة صلاح الدين الايوبي كاملة
  • قصة صلاح الدين الايوبي
  • في اي عام ملك صلاح الدين الإيوبي قلعة حمص و بعلبك في شهر شعبان
  • صغيرة لصلاح الدين
السابق
شعر الموت والفراق
التالي
طريقة عمل الكنافة الناعمة بالسميد