مقال بلال فضل الاخير
الكاتب بلال فضل له العديد من المقالات التى ينشرها فى الجرائد وهناك ايضا مقالات ينشرها
عبر حسابه على تويتر او الفيس بوك ولهذا الكاتب رؤيه معينه ورا معينه يعبر عنها
من خلال المقالات المتنوعه التى يكتبها وهو دائما ما يطرح قضايا سياسيه مميزه.
مع نها ظهرت لى النور فى لبوم (اتكلمى) عام 1984، وربما كتبت قبل ذلك بكثير،
لا نها فى ريى هم غنوه تعبر عن المزاج النفسى السائد الن لدى كثيرين، بشكل
لم يستطع ن يعبر عنه غلب الذين عاشوا يامنا العصيبه هذه، بمن فيهم محمد منير
نفسه. استمع لى الكلمات بصوت منير وتحدى ن يقفز لى ذهنك شريط صوره مختلف عما
نعيشه منذ فتره: «دارت بينا ريح الطريق.. وشقيق بيده سالت.. دماء خوه عالطريق.. ومنا تنادينا..
ننسى اللى بيننا وفينا.. علشان عيون مانينا.. ضل الطريق بينا.. مشينا.. ما درينا.. مين العدو
م الشقيق… قالت لينا م الجموع.. شمس الحقيقه غابت.. وغاب قمر الرجوع.. غاب الضمير ودينا..
طرح الغل فى وادينا.. لا رجعنا ولا ابتدينا.. ضل الطريق بينا.. مشينا ما درينا.. مين
العدو من الشقيق.. طال بينا الطريق.. وطال بينا الطريق».
كانت ول مره ستمع فيها لى هذه الغنيه فى سنتى الجامعيه الولى، فلم تحصل منى
يومها على ما هو بعد من الاستلطاف النابع من وطه الانبهار العام بكل ما يكتبه
عبدالرحيم منصور ويغنيه محمد منير، لكنها لم تبق معى طويلا، مثلما بقيت معى غنيات مثل
(كل الحاجات) و(عالمدينه) و(شبابيك) و(الحقيقه والميلاد)، ظلت لفتره طويله شريط الصوت المصاحب لحياتى والمساعد على
ضفاء طابع ملحمى عليها، يعيننى على تجاوز «درامتها» الرخيصه، ويدفعنى لمواصله المسير نحو نهايه ما
يجب ن تكون قل سوءا.
ربما تفسر قراءه كلمات الغنيه عبورى السريع بها، كان عبدالرحيم منصور يتكلم فيها عن شياء
كانت تبدو وقتها «مش مستاهله كل ده»: الحيره بين العدو والشقيق الذى سالت دماؤه بيد
خيه وشمس الحقيقه التى غابت، حديثه عن م الجموع فى مطلع الثمانينيات حين لم تكن
مصر تشهد لا جموع الماتشات بدا قرب لى الشكوى من الانفجار السكانى، تماما مثلما بدت
شكواه من «طرح الغل فى وادينا» محض «فوره»، لن موديل الغل السائد كان الغل المصاحب
لقضايا النفقه والميراث وتعدد الزوجات.
لحن حميد الشاعرى شعرنى وقتها نه لا علاقه له بكلمات الغنيه الغامضه، وتصورت ن ذلك
ما جعل منير يضيف ليها كما من ال«يويويويووه» لكى تشبهه كثر، وحتى توزيع الجميل يحيى
خليل للغنيه لم يفعل بروحى ما فعله من قبل توزيعه لغنيات مثل (باعتب عليكى) و
(يا ليله عودى تانى) و (الحقيقه والميلاد)، وهو ما يبدو لى الن ظلما بينا ليحيى
وحميد يتوجب اعتذارا رقيق اللهجه على سوء تذوقى، قبل ن توجه لهما ولمنير ولعبدالرحيم منصور
بسمى يات المحبه والامتنان، على هذه الغنيه التى تعبر كما لم يفعل غيرها عن هذه
المرحله الداميه الكئيبه من طريق الحريه الطويل والحتمى.
قبل يام استخدمت الغنيه كحجه دامغه خلال جدال مع صديق عن جدوى الكتابه الن فى
زمن صبح الاختلاف فيه جريمه تستوجب السجن والتخوين وتهديد الحياه، كان يسلنى بمزيج من الشفاق
والنبر كيف تمكن من الكتابه المنتظمه فى ظروف كابوسيه كهذه لا تروج فيها لا كتابه
الصوت الواحد، فجبته بعد مقدمه نظريه طويله فى فن التعايش مع العبث والسى، ننى نجحت
بعد عناء فى تدريب نفسى على ن تتعامل مع الحياه بروح مزارع فيتنامى يمتلك حقل
رز شاء حظه العثر ن يكون ملاصقا لبركان على وشك الانفجار، يصحو كل يوم فيجد
كل من حوله يحذره من قرب الانفجار ويطلب منه ن يتوقف عن الذهاب لى حقله،
ومع نه يذهب دون ن يلقى بالا لتلك التحذيرات، لا نه لا يستطيع ن يتجاهل
صوات غليان الحمم التى تبقبق فى ذنيه، ولا رائحه الدخان البركانى المتصاعد من الفوهه التى
تخنقه، ولا خيالات الحمم المتفجره وهى تقفز لى ذهنه منذره بالهلاك الوشيك، لكنه مع ذلك
كله، يذهب كل يوم لى حقله ليعمل «باللى يقدره ربنا عليه»، ربما لنه لا يملك
اختيارا خر، وربما لنه اكتشف ن مواصله فعل ما يجيده هو فضل وسيله يقاوم بها
غموض المستقبل.
ليس فى اختيار فيتنام بالتحديد شفره خفيه من شفرات «بله فاهيتا»، ولا «ميتافور» يحيل لى
معنى الانتصار على القوى الضخم عددا وعده، بل وراءه ببساطه ننى قرت مؤخرا عن بركان
مرشح للانفجار قريبا فى فيتنام، كما ن اختيار الرز ليس له يضا علاقه بالرز الفيتنامى
الشهير، ونما لن زراعه الرز تتطلب الرى بالغمر، ومن خاض بقدميه داخل حقل رز سيدرك
ن باطنه ليس جميلا كظاهره، لن زراعته تتطلب من المزارع ن يطلع عين اللى خلفوه
فى الطين اللازب طيله اليوم، وهو نفس ما سيشعر به من لا يجد مامه سبيلا
لمقاومه العبث سوى الكتابه المنتظمه.
ذا لم تقنعك نظريه المزارع الفيتنامى وحقله المجاور للبركان ولم تجد فيها ما يغريك بتمثلها
فى حياتك، استمع مجددا لى غنيه منير، وتمل روع ما فيها: نهايتها البسيطه التى ستذكرك
بالعباره الصوفيه المبهره «الملتفت لا يصل»، والعباره الثوريه المستفزه «مكملين»، وعباره باولو كويلهو الكثر مبيعا
وابتذالا «الكنز فى الرحله»، وعباره الداره العامه للمرور التى اتخذتها منذ زمن فلسفتى فى الحياه
«لا تنشغل بغير الطريق»، وعباره مولانا نجيب محفوظ «الحقيقه بحث وليست وصولا»، كل هذه العبارات
سيغنيك عنها منير حين يغنى «طال بينا الطريق.. وطال بينا الطريق» بمزيج من تقرير الحقيقه
المؤسفه والتذكير بنه لم يعد هناك بديل سوى مواصله الطريق. ولن العمل البداعى يترك دائما
مساحات فارغه ليملها المتلقى، فسهامى لملء الفراغ فى غنيه هذه يكون مع ابتعاد صوت منير
التدريجى، حين قول لنفسى بصوفيه سكندريه الطراز مشفوعه باقتباسى المفضل من عبدالحليم حافظ «حيه يا
نفس يا مستعجله.. طويله لسه طويله».
- مقال بلال فضل الأخير
- مقالات بلال فضل
- مقاله بلال فضل الاخيره