هناك العديد من المفاهيم الخاطئه بنيت على الخرافات وعدم المعرفه والجهل بطبيعه الامراض النفسيه والعلاج
النفسي والتي ادت بالفرد داخل المجتمع العربي ان يحجم عن الذهاب الى الطبيب او المعالج
النفسي , فيتردى وضعه النفسي ويتمكن منه المرض وتصبح حالته مستعصيه , واول ما يذهب
اليه هو المشعوذين والدجالين والذين يدعون القدره على شفاء الامراض النفسيه , ويتنقل من مشعوذ
الى اخر بغيه ان يساعده في علاج حالته ولكن هيهات , رغم ان الذهاب الى
الطبيب النفسي في البدايه يساعده في السيطره على المرض ويوفر عليه الكثير من العناء.
من اهم هذه المفاهيم ارتباط الامراض النفسيه بالجنون: يعتقد الكثير من الناس بان كل زوار
العياده النفسيه هم من المجانين وكذلك الاعتقاد بان الادويه النفسيه لا فائده منها وانها تسبب
الجنون وان هذه الادويه نوع من المخدرات وان تناولها يودي الى الادمان, والاعتقاد بان الامراض
النفسيه لا شفاء منها. ان هذه الاعتقادات تودي الى التردد عند زياره الطبيب النفسي والخجل
من ذلك بل ربما الامتناع عن الاقدام عليه رغم الحاجه الشديده الى ذلك، ولكن من
السهل مراجعه دجال او مشعوذ ودون تردد. ونتيجه لهذه الافكار والممارسات فان الناس يتاخرون في
مراجعه العياده النفسيه حتى يستفحل المرض وتصبح عمليه العلاج اطول. وعلينا ان نتذكر بان المرض
النفسي يتدرج من الاضطراب البسيط الذي يمكن علاجه بالارشاد النفسي والطمئنه الى الفصام العقلي شديد
الاضطراب الذي يتحكم به دوائيا , فامراض القلق والاكتئاب والوساوس والمخاوف والهستيريا واضطرابات النوم واضطرابات
الاطفال وغيرها من الامراض النفسيه قابله للشفاء, وان هناك نسبه قليله من الامراض النفسبه التي
لا تشفى ولكن يتحكم بها من قبل الادويه , ولو نظرنا الى الامراض غير النفسيه
فان الامر لا يختلف كثيرا فهناك العديد منها يستمر طوال العمر مثل مرض السكري والضغط
وامراض القلب ويحتاج المريض المصاب بها الى تناول علاجه مدى الحياه.
لقد اثبتت التجارب العلميه بان سبب الامراض النفسيه هو اختلال في مستوى النواقل العصبيه في
الدماغ وذلك نتيجه عده عوامل منها تاثير الوراثه والبيئه والتربيه وعوامل عديده اخرى, والمرض النفسي
مثله في ذلك مثل الامراض العضويه الاخرى له اساس عضوي, وانتقال الامراض النفسيه عبر الوراثه
يعكس الطبيعه المرضيه لتلك الامراض.
والتجارب العلميه مدعومه بالخبرات العمليه والمشاهده اليوميه اثبتت نفع الادويه النفسيه في علاج الامراض النفسيه.
وتختلف العلاجات النفسيه عن غيرها بانها تحتاج الى عده اسابيع حتى يبدا مفعولها وقد يستمر
العلاج لفترات قد تمتد الى اشهر او اكثر ويعتمد التحسن على مدى استمراريه المريض على
العلاج . وللارتقاء بالمستوى الصحي والنفسي للفرد داخل المجتمع العربي عليه ان يتخلص من هذه
المفاهيم الخاطئه وان يبني قناعاته على اسس علميه ثابته وليس على الخرافات والاشاعات.
هذه الافكار الخاطئه اوجدت الاتجاهات السلبيه للمرض النفسي من قبل العائله في حاله اصابه احد
افرادها به: فاذا اجرينا مقارنه متعلقه بموقف الاهل في حاله الاصابه بالمرض العضوي والاصابه بمرض
نفسي نجد ان الاهل في الحاله الاولى يستدعون الطبيب بشكل فوري, وينفذون تعليماته بدقه, ويعطونه
ثقه كبيره, ويقبلون بتشخيصه, ويكون المرض مناسبه اجتماعيه للزيارات، وتسود الاجواء مشاعر التعاطف مع المريض
ورغبه في متابعه علاجه حتى الشفاء التام.
اما في حاله المرض النفسي فنجد الاهل يترددون كثيرا قبل مراجعه الطبيب، ويحاولون التهرب من
تنفيذ تعليماته، ويفضلون مراجعه اكثر من طبيب, ويحيطون التشخيص بالتشكيك, ويحملون عدائيه غير ظاهره للمعالج،
كما انهم يحاولون اخفاء انباء المرض حتى عن المقربين، ومحاوله انهاء العلاج باقصى سرعه ممكنه
(حتى قبل اوانه), كما يحملون مشاعر هجوميه نحو المريض ويوجهون انتقادات مكثفه اليه.
من العوامل التي ساهمت في ترسيخ المفاهيم الخاطئه هي وسائل الاعلام: لقد تعودنا من الافلام
السينمائيه والمسلسلات التلفزيونيه والروايه العربيه تقديم صوره مشوهه عن العلاج والمعالج النفسي مما جعل هذه
المفاهيم تتغلغل في وجدان الناس
ومن الصور المشوهه التي قدمت في الافلام والروايه العربيه شخصيه الطبيب النفسي فتظهر الطبيب النفسي
وكانه غير مستقر نفسيا .
ومنها ايضا طريقه العلاج النفسي وتنفيذها والمثل الواضح على هذا هو العلاج بالاختلاج الكهربائي والذي
يصور على انه نوع من العقاب ويعرض بطريقه تثير اشمئزاز المشاهد,فنجد المريض يصرخ ويتالم وكان
الذي يحدث هو تعذيب للمريض وليس علاج له , واظهار الممرض النفسي بانه شخص قاسي
عديم الرحمه ، عابس الوجه، عنيفا في حديثه واسلوبه وتعامله.
تركيز وسائل الاعلام على عرض المرضى النفسيين ذوي الحالات المزمنه وغير القابله للشفاء وهذه الامراض
تحدث بنسبه قليله مقارنه بالامراض النفسيه الاخرى والتي تعالج ويشفى منها تماما.
ولكي نتخلص من موروث سنوات طويله من المفاهيم والمعتقدات الخاطئه عن الطب النفسي, على وسائل
الاعلام والعاملين في مجال الصحه النفسيه ان يقوموا بدورهم لتحسين الصوره المشوهه عن الطب النفسي,
والمساعده في توصيل المعلومات الصحيحه عن الامراض النفسيه وطرق العلاج النفسي, ونحن نتوق الى ذلك
اليوم الذي تصبح فيه زياره العياده النفسيه امرا عاديا وان نتخلص من الخوف والخجل والوصمه
السلبيه .
ان الهدف الذي نسعى اليه هو الارتفاع بمستوى قدرات الفرد ليعيش حياه افضل ويساهم في
بناء المجتمع باقصى طاقاته. ولتحقيق هذا الهدف على الفرد داخل المجتمع العربي ان يتخلص من
هذه المفاهيم وان يبني قناعاته على اسس علميه ثابته وليس على الخرافات والاشاعات.
(2)
لماذا ينظر الناس نظره سلبيه للطب النفسي؟!
ما يعتقده الكثيرون من ان المرض النفسي لا يصيب المومن القوى, وكلها مفاهيم تشيع بين
الناس في بلادنا مثقفين وغير مثقفين.
ويربط البعض بين الجن والجنون! ومفهوم الجان في الاسلام يشير الى نوع من المخلوقات يقابل
النوع البشري, وليس فيه ما يشين ولا يعيب, حتى ان الاسلام ارسل للجن كما ارسل
للانس, وما يخيف في مفهوم الجن؛ لكونهم كائنات غير مرئيه كان البعض قد راى ان
سبب الجنون هو تسلط الجان على المريض؛ فان نظره الاسلام الى الجان باعتبارهم امه مثل
امه الانس حمت المرضى النفسين من ان يحرقوا او يعذبوا؛ او يبعدوا؛ لان ارواحا شريره
تسكنهم, فليس كل الجان اشرارا في الفهم الاسلامي؛ ولذلك عومل المريض النفسي كما يعامل اي
مريض.
والكثيرون ممن يعتبرهم اهلنا في الريف اناسا (مبروكين), او (مجذوبين), او (شيوخا) انما هم مرضى
بالفصام المزمن او النقص العقلي الخفيف.
في اوروبا كان علاج المرضى النفسيين في القرون الوسطى كان يتم على يد رجال الكنيسه,
ولذلك انتشرت الخرافات وساد التطرف بالايمان في الامور الغيبيه كالسحر وتلبس الجن, وقد كان يتم
احتجاز المرضى النفسيين انذاك في اماكن سيئه ومعزوله؛ لانهم قد لبستهم الارواح الشريره, وكان البعض
الاخر يتعرضون لاسوا انواع المعامله مثل التقييد بالاغلال المثبته في الجدران لفترات قد تصل الى
عشرات السنين, وكانت هذه الاماكن بعيده عن المستشفيات مما ادى الى ركود الابحاث في الطب
النفسي وبالتالي الى عدم ادراك الناس لحقيقته ومدى فائدته, وكذلك الصراع بين العلم والكنيسه في
اوروبا في القرن الماضي ربما كان احد الاسباب الاساسيه في رفض الناس للطب النفسي, بل
ان بعض موسسيه اتخذ موقفا معاديا للدين.
ونظرا لصداره اوروبا ثقافيا في العالم, فلقد انتقلت نظره الرفض تلك الى الشعوب الاخرى والتي
رفضت بدورها الطب النفسي بدرجه اكبر مما حدث في اوروبا, وذلك لعده اسباب:
الاول: ان عددا من المتخصصين في الطب النفسي كانوا مجرد نسخه لعلماء الغرب, ولا يختلفون
عنهم.
الثاني: هذه الشعوب ترفض في اغلب الاحوال اي شيء يبدو وكانه يتعارض مع الدين, وقد
قام المعالجون التقليديون بتشويه صوره الطب النفسي من هذه الناحيه.
على الرغم من بعض البقع السوداء في تاريخ الطب النفسي الا ان فيه جوانب كثيره
مضيئه ينتفع منها المجتمع ان احسن القائمون عليه توظيف تلك الجوانب, فليس الطب النفسي وعلومه
مجرد عقاقير دوائيه واساليب علاجيه, بل انه يمكن استخدام شيء منه في خدمه المجتمع وتطويره,
وكذلك في مجال الدعوه الى الله ايضا.
افكار مغلوطه عن الطب النفسي..لماذا؟
1.الادويه النفسيه ليست سوى مخدرات, ولذلك فانها تودي الى الادمان:
بعض الاطباء والصيادله يحذرون المريض من تناول الدواء النفسي او ينصحونه بعدم الاستمرار عليه؛ لكي
لا يتحول الى مدمن! واظن ان اهم اسباب هذا المفهوم:
بعض الادويه النفسيه التي استخدمت في القرن الماضي تودي الى التعود.
بعض الامراض النفسيه المزمنه تستدعي العلاج المستديم؛ هو ليس بسبب ادمانه لها لكن بسبب طبيعه
تلك الامراض التي تحتاج الى علاج ربما يمتد الى مدى الحياه.
تعميق بعض المعالجين “الشيوخ” هذه النظره في نفوس الناس, حيث يشترط بعضهم ان يتوقف المريض
اولا عن تناول ادويته النفسيه؛ لانها –كما يزعمون- مخدرات تحبس الجن في العروق!وتنشف الدماغ! وتمنع
بلوغ اثر القران!.
انتشار الاضطرابات النفسيه بين المدمنين, واسباب ذلك متعدده؛ فكثيرون ممن يقعون فريسه للادمان يبدءون تعاطيهم
للمخدرات.
اظن العكس المرض النفسي هو الذي يدفع المريض الى تعاطي المخدرات وبجهل المريض او الاهل
لا يذهب الى الطبيب النفسي.
فهذه شريحه من المدمنين توجد لديهم امراض نفسيه لا تعالج, وهناك حالات اخرى يكون فيها
الاضطراب النفسي ثانوي بسبب المخدرات.
ولعل بعض الناس يتخوف من الادويه النفسيه؛ لان المريض النفسي قد يقدم على الانتحار مستخدما
جرعات كبيره من تلك العقاقير (اي دواء ممكن يعمل كده).
اما النعاس والخمول ليس كاثر للادويه النفسيه فقط بل لادويه اخرى كثيره مثل السعال و
السكر…..
وكما توجد امراض نفسيه تستدعي العلاج المستديم فانه توجد ايضا امراض عضويه تستدعي العلاج المستديم,
مثل السكر والضغط وغيرها كثير.
وفي حين ان ايقاف مرضى السكر او الضغط لادويتهم قد يودي الى اضرار خطيره, فان
ايقاف المريض النفسي للادويه لا يودي عاده الى ذلك.
ان الانتكاسه التي تحدث عند الانقطاع عن الدواء ليست دليل على الادمان, ولذلك لو عاد
المريض ثانيه لاستخدام العلاج لشعر بالتحسن مثل مريض السكر والضغط.
واود الاشاره الى عده حقائق:
اولا: الاثار الجانيه البسيطه للادويه النفسيه لا تعادل باي شكل من الاشكال تلك الفائده المرجوه,
وكل الادويه غير النفسيه لها اثار جانبيه, واي دواء ليس له اثار جانبيه ليس له
اثار علاجيه.
ثانيا: ان الادويه النفسيه لا تودي الى الادمان اذا استخدمت تحت اشراف طبي مباشر.
ثالثا: المرضى يقبلون دون تردد تناول تلك الادويه اذا صرفها غير الطبيب النفسي.
وكثيرا ما يكتب طبيب الباطنه على ادويه مهدئه ومخدره ولا اعتراض اما لو كتبها طبيب
النفسيه لاي طارئ فهي جريمه.
رابعا: بعض الناس يتردد في استخدام بعض الادويه النفسيه و في الذهاب الى الطبيب النفسي؛
لانه متدين وتقي, بينما يقبل الممارسات غير الشرعيه عند بعض من يسمون بالشيوخ او المعالجين
بالقران! فكثيرون منهم يدعون العلم بالغيب ولو ضمنيا, والمرض النفسي ليس دليل على ضعف الايمان
او ضعف الاراده.
2.عدم شفاء بعض المرضى رغم استخدامهم للدواء؛ فهم يرونها مجرد مسكنات او منومات:
نسمع ذلك بالرغم من التحسن الكبير لحالات المرضى حين يستكملون العلاج!.
فالاثر الفعال لبعض الادويه النفسيه لا يظهر الا بعد اسبوعين الى اربع اسابيع او سته,
وتحسن المريض وشفاءه التام ليس معناه ايقاف الدواء حتى يوقفه الطبيب, وليس معنى ذلك ان
المريض قد اصبح مدمنا, ولكن هذه هي طبيعه الامراض النفسيه وادويتها.
الامراض النفسيه كغيرها من الامراض في التخصصات الاخرى, فمن المرضى من يستجيب للعلاج استجابه كامله,
ومنهم من لا يستجيب مطلقا, ومنهم من يستجيب جزئيا لان العلاج فعال في نسبه معينه
من المرضى.
ان من الامراض النفسيه ما تتحكم به الادويه النفسيه دون ان يشفى المريض تماما, كما
في الامراض العضويه المزمنه كالضغط والسكر, ولذلك اذا اراد المريض ان تبقى حالته مستقره فيجب
عليه ان يستمر في العلاج فتره طويله من حياته.
وتقصير الطبيب النفسي في توضيح تلك الامور لمريضه في اول لقاء بينهما يودي الى انقطاع
المريض عن الدواء لاتفه الاسباب.
فلا مريض الضغط المرتفع, ولا مريض القلب, ولا مريض الكبد, ولا مريض السكر, ولا مريض
الكلى, ولا مريض الروماتيزم يعالج بالمفهوم الذي نطلب من الطب النفسي الوصول اليه, وكلها تحتاج
علاجا يدوم طوال العمر, وبالرغم من ذلك كله لم نسمع من يتهم ادويه الضغط مثلا
بانها مسكنات!.
3.اعتقاد بعض الناس بانه لا يمكن للعقاقير الدوائيه الماديه المحسوسه ان تعالج المعاناه النفسيه غير
المحسوسه:
في فهم الكثيرين ان المشاعر النفسيه و الافكار الذهنيه لا يمكن ان تغيرها اقراص الدواء,
وذلك راجع الى عدم فهم الطريقه التي يعمل بها المخ البشري, وهو المحرك المباشر لافكار
ومشاعر الناس, وليس القلب كما هو معتقد.
ان الامراض النفسيه لها ما يمكن تسميته مراكز في الدماغ, فقد ثبت وجود اضطراب كيميائي
في بعض مناطق المخ المسئوله عن المزاج والمشاعر والسلوك والذاكره, واصبح لكل مرض علاجه الدوائي
بالاضافه لعلاجه النفسي السلوكي والمعرفي.
هناك مراكز في المخ لجميع الوظائف النفسيه والبيولوجيه للانسان, الحركه والتحكم في ضغط الدم, ودقات
القلب, والتنفس, وكذلك الذاكره, والمزاج, والسلوك, والوجدان, ويرتبط المخ بالحبل الشوكي الذي يتمكن من نقل
كل المعلومات من والى المخ من خلال الاشارات العصبيه.
ان الرسائل “الاشارات العصبيه” تنتقل خلال المشبك بين الخليتين بواسطه مواد كيميائيه تسمى الناقلات العصبيه,
ومن امثلتها السيروتونين, الدوبامين, الادرينالين, النورادرينالين, والاسيتيل كولين….الخ, وزياده او نقص هذه الناقلات العصبيه في
المخ يودي الى اضطراب الوظائف النفسيه للانسان في حين ان اعاده ضبط تركيزها وايجاد التوازن
المناسب فيما بينهما يعيد الانسان الى اتزانه في سلوكه سعادته في حياته!
كما اثبتت التجارب العلميه العديده ان اكثر الامراض النفسيه يصاحبها خلل في تغير مستوى هذه
الناقلات العصبيه في الدماغ, وان هذه الامراض تزول –باذن الله- اذا تم اصلاح ذلك الخلل
بواسطه الادويه النفسيه.
4.اعتقاد بعض الناس بان الامراض النفسيه لا شفاء منها:
الطبيب النفسي ليس طبيبا اصلا! نعم هذه فكره طلبه الطب, فما بالنا بسواهم؟! ومن المسئول
عن هذه الفكره الخاطئه؟.
ومما يزيد الطين بله في هذا الصدد اثر الوصمه الاجتماعيه اللاحقه بالطب النفسي.
فيما يخص الامراض النفسيه اذا تحدث عنها الناس فانما هو غالبا على سبيل السخريه والاستغراب!.
وانه اهون على المريض وذويه ان يعترفوا بان ما اعتراهم من علل بسبب الجن او
السحر او العين وليست امراضا نفسيه, وذلك لانهم يرون ان تلك الامور الغيبيه انما حدثت
بفعل فاعل قد تعدى عليهم؛ مما يعطيهم الحق في المعاناه, اما الاعتراف بالمرض النفسي فمعناه
عندهم الاعتراف بالنقص والقصور, وتبعا لذلك فان الناس لا يسمعون ولا يرون اي نتائج ايجابيه
للطب النفسي؛ لان من استفادوا من الطب النفسي يتجنبون الحديث عنه, فضلا عن ان بعضهم
ربما ينتقدونه, ولذلك فان من يراهم الناس من المرضى النفسيين هم فقط تلك الفئه من
المرضى الذين لم يستجيبوا للعلاج النفسي,او انهم يعانون من بعض الامراض النفسيه المزمنه التي تتحكم
بها الادويه دون ان تشفيها تماما, او انهم لم يطلبوا العلاج النفسي اصلا. ولو نظرنا
الى الامراض غير النفسيه لوجدنا ان الحال لا يختلف كثيرا, فاغلب تلك الامراض ليس لها
علاج شاف,بل هي مهدئات ومسكنات تتحكم بالمرض دون ان تنهيه, كادويه السكر والضغط وامراض القلب
, وغيرها كثير, بل ان المريض يتدهور تدريجيا بالرغم من استخدامه لتلك العقاقير, فلا يتذكر
بعض الناس تلك الامراض التي كتب الله الشفاء لاهلها, ويرددون ويكررون ان الامراض النفسيه مزمنه
لا شفاء منها دون ان يفعلوا الشيء نفسه مع الامراض الاخرى!!
ولعلي اضرب هنا مثالا واحدا فقط باحد الامراض النفسيه, وهو الوسواس القهري الذي يعاني منه
عدد ليس بالقليل من الناس, فهذا المرض لا يعلم اكثر الناس ان بعض حالاته تستجيب
للعلاج النفسي, بل ان بعضهم لا يدري ان هناك مرضا نفسيا اسمه الوسواس القهري! ويمكن
ان يكون لبعض الشيوخ دور كبير في نمو هذا الاعتقاد ذهان الناس, لما يرددونه من
ان بعض المرضى -حسب خبرتهم- قد شفاهم الله بالرقيه و القران ولم يشفوا عند اساتذه
الطب النفسي, ولكن الامر نفسه يردده الاطباء.
فهناك العديد من المرضى قد انفقوا عده سنوات في السفر والترحال بين الشيوخ دون فائده,
وعندما راجعوا الاطباء تحسنت احوالهم, بل ربما شفيت امراضهم تماما, وليس هذا انتقاضا من شان
القران, فان من انزل القران هو الذي خلق الدواء, ويجعل بركته حيث يشاء, كما انه
ليس شرطا ان يشفى كل من عانى من تلك العله بالقران.
5.يعتقد بعض الناس ان العلاج النفسي مجرد كلام!!
الزوج يقول لزوجته ماذا يفعل لك الطبيب النفسي ؟ تكلمي معي!
ونجد للاسف الطبيب الذي يخاف على مريضه مما يسمونه بدوامه الطب النفسي, فتراه يخاف من
عرض الحاله على الطبيب النفسي؛ لكي لا يدخل المريض هذه الدوامه او ما يعتقد بان
الادويه النفسيه تعمل تسمم!!!
ولذلك تراهم جميعا مقتنعين بعدم الحاجه الى الطبيب النفسي. ولعلي اوضح هنا ان العلاج النفسي
ليس مجرد حوار بين الطبيب والمريض وانما شيء اكثر من ذلك.
الادويه النفسيه التي اثبتت التجارب العلميه على مدى عده عقود من الزمن فاعليتها بنسبه كبيره
في الشفاء او تهدئه بعض الامراض النفسيه.
الجلسات النفسيه (العلاج النفسي غير الدوائي) التي ليست مجرد حوار مع المريض, وانما تتبع منهجا
وبرنامجا خاصا, ولذلك فان من يقوم بها يجب ان يكون من المتخصصين.
6.اعتقاد الكثيرين ان العلاج بالصدمات الكهربيه انما يدمر المخ! او انه يودي الى التعود عليها:
حكايه تدمير المخ هذه ليس لها اساس من الصحه, خصوصا ان كل ما يحدث من
اثر جانبي للصدمات هو بعض النسيان للحظات السابقه لاجراء الصدمه وربما بعض اللحظات التاليه لها,
ولا شيء اخر!
كما ان عدد من يموتون بسبب خلع احدى الاسنان عند طبيب الاسنان اكبر من عدد
من يموتون بسبب الصدمات الكهربيه, اي ان العدد اقل من 4 في المليون شخص !!
ثم ان المخ البشري نفسه يتواصل مابين اجزائه المختلفه ويتصل بكافه اعضاء الجسم بواسطه الكهرباء
الحيويه, اي ان مرور تيار كهربي محكوم الشده في المخ لسي مضرا من اساسه! فمن
المعروف ان احدى وسائل نقل الرسائل العصبيه بين الخلايا في المخ هي فرق الجهد الكهربي,
وهو نفسه المسئول عما هو معروف من ان المخ ينبض بالكهرباء, ويمكن تسجيل ذالك على
شكل موجات كهربيه بواسطه رسام المخ الكهربي, ولقد وجد ان الاضطراب في الموجات الكهربيه للمخ
يصاحب بعض الامراض النفسيه (كسبب او نتيجه) وبالتالي فان اي امكانيه لضبط هذه الموجات الكهربيه
وتنظيم ايقاعاتها يساهم في تحسين الحاله النفسيه للمريض.
واما حكايه التعود على الصدمات الكهربيه فانما ترجع في الاساس الى طبيعه المرض الذي تستخدم
الصدمات في علاجه, وهو الاكتئاب الدوري او الاضطراب الوجداني, فهذا مرض دوري بمعنى انه يصيب
الشخص في وقت ما من عمره ثم تزول كافه اعراضه بعد زمن معين يساعدنا العلاج
في تقصيره, ويرجع المريض الى حالته الطبيعيه لمده تختلف من شخص لاخر, ثم تعاوده الاعراض
مره اخرى ويحتاج للعلاج, وهنا يظن بعض البسطاء ان المريض تعود على الصدمات, بينما الامر
متعلق بطبيعه المرض!.
الذي اود هنا ان ابينه هو ان التوجه الحالي في اوروبا وامريكا اصبح مع العلاج
بالصدمات, وليس ضدها كما كان في الماضي, خاصه عندما تكون هناك حاجه لاستجابه سريعه وموكده,
وعندما يكون الاكتئاب مصاحبا بالعديد من الامراض المزمنه الاخرى, بحيث يتناول المريض عقارا لعلاج ضغط
الدم واخر لشرايين القلب, واخر للسكر وربما للكبد, وهذا حال الغالبيه من مرضانا فوق الاربعين,
في كل هذه الحالات يصبح استخدام عقار لعلاج الاكتئاب مجلبه للمشاكل بسبب التداخلات الدوائيه التي
لا حصر لها, بينما تعمل الصدمات الكهربيه بشكل اكثر فاعليه واقل اشكاليه!
7.الاعتقاد بان الاكتئاب والمرض النفسي لا يصيب الاطفال:
يلاحظ في مجتمعنا ان لاهل يسارعون باستشاره طبيب الاطفال في كل صغيره وكبيره من الاعراض
التي تطرا على اطفالهم الا في حاله الامراض النفسيه فنجد انها لا تلاحظ الا متاخرا
جدا, وحتى بعد ان تلاحظ نجد محاوله مستميته منهم لايجاد تفسير لهذه الاعراض عير كونها
اعراض اضطراب نفسي, فاذا في نهايه الامر وجدوا انفسهم مضطرين الى الاعتراف بانها اعراض اضطراب
نفسي؛ فضلوا عرضه على الشيخ او على طبيب المخ والاعصاب لا الطبيب النفسي!وعندما نتدبر الامر
وراءه على الاقل مفهومين خاطئين!
المفهوم الاول: الامراض النفسيه تحدث بسبب المشاكل الحياتيه.
المفهوم الثاني: الانكار لامكان حدوث مشكله نفسيه لطفل يعيش في حمايه والديه.
وجماع الراي العلمي الان ايضا ان الامراض النفسيه ليست ناتجه عن المشاكل والعقد والتربيه الخاطئه
الى اخر ذالك من مفاهيم, وانما تنتج عن خلل كيميائي في عمليات المخ الحيويه امكن
الى حد كبير قياسه وكذالك تصوير ما يدل عليه من خلال تقنيات التشخيص الحديثه, التي
تعطي صورا يمكن خلالها اخذ فكره عن حاله مناطق الدماغ المختلفه وظيفيا.
8-اعتقاد البعض ان المرض النفسي لا يصيب المومن القوي!
ان الناس يعتقدون ان حدوث الاكتئاب دليل على ضعف الايمان, بينما الحقيقه هي ان الاكتئاب
يسلب الايمان, بمعنى ان المومن المصلى اذا اصابته نوبه اكتئاب فانه سيترك الصلاه! واحساسه بفتور
علاقته مع الله عز وجل! وهذا الاعتقاد الخاطئ لدى الناس جاء من امرين.
الاول: عدم ادراك الناس لمعنى المرض النفسي.
الثاني: نظره الناس للامراض النفسيه على انها مركب نقص.
اما الامراض النفسيه فامرها مختلف, وهي لا تقتصر على ما يسميه الناس بالجنون, بل ان
معنى المرض النفسي معنى واسع يمتد في ابسط اشكاله الى اضطراب التوافق البسيط الى اشد
اشكاله تقريبا متمثلا في فصام الشخصيه شديد الاضطراب, كما انه ليس شرطا ان تستخدم العقاقير
في علاج ما يسميه الاطباء النفسيون بالامراض النفسيه, بل ان منها ما لا يحتاج الى
علاج دوائي.
ولعلي اعجب من البعض الذين يربطون درجه التقوى والايمان بامتناع الاصابه بالامراض النفسيه دون العضويه!
فلقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: “ما يصيب المسلم من نصب
ولا وصب ولا هم ولا اذى ولا غم حتى الشوكه يشاكها الا كفر الله بها
من خطاياه”.
وهذا البيان النبوي شامل لجميع الهموم والغموم صغيرها وكبيرها, وايا كان نوعها, وفي الاصل ان
الامراض النفسيه مثل غيرها من الامراض ولا شك-وهي نوع من الهم والابتلاء-ولذلك فانها قد تصيب
المسلم مهما بلغ صلاحه, كما انه لم يرد في الكتاب الكريم ولا في السنه المطهره
ما ينفي امكانيه اصابه المسلم التقي بالامراض النفسيه حسب تعريفها الطبي.
من المشهور علميا لدى اهل الطب النفسي (خاصه), ودينيا لدى الكتاب الاسلاميين, ان التدين يقي
من المرض النفسي, ويحمي صاحبه من اكتئابه من الانتحار, وذلك رغم تاكيدنا على خطا المقوله
الشائعه: ان المرض النفسي لا يصيب المومن القوي.برغم كل ذلك تبقى حقيقه علميه بسيطه لكنها
غير قابله لان ينكرها عاقل وهي ان الايمان القوي الصحيح يحمي صاحبه ويقيه اولا من
الوقوع السهل في اعراض كالقلق والاكتئاب التفاعلي والتي يمكن جدا ان يكون الوقوع السهل فيها
بدايه للغوص في المرض او الاضطراب النفسي الشديد كالقلق العام والاكتئاب الجسيم, وهي اضطرابات نفسيه
بعيده الاثر على حياه المريض, ولكن يبقى الايمان القوي الصحيح ايضا عاملا مهما في التخفيف
من وطاتها ان حدثت, كما يبقى عاملا داعما لمحاولات العلاج على اختلاف انواعها.
واوكد ان حدوث المرض النفسي لا يعني ضعف الايمان!
9-الامراض النفسيه اعراضها نفسيه بحته, ولا يمكن ان تظهر باعراضها عضويه:
وهذا اعتقاد خاطئ بلا شك! فالعلاقه بين الاعراض النفسيه والمرض العضوي وبين الامراض النفسيه والاعراض
العضويه متشابكه الى حد كبير؛ فالاعراض النفسيه قد تكون من مسببات المرض العضوي, او تكون
اول ما ينبهنا الى وجود مرض عضوي حادث بالفعل او على وشك الحدوث, فهناك ارتباط
مثلا بين حدوث القلق والاكتئاب وحدوث قصور في الدوره الدمويه او امراض القلب, وهناك ارتباط
بين حدوث القلق اكتئاب في مرضى الشرايين التاجيه(الذبحه الصدريه) وحدوث نكسات او تكرار الحاله! وكثيرا
ما تبدا اعراض ورم البنكرياس مثلا باكتئاب, واحيانا امراض الكبد.
وقد تكون الاعراض النفسيه وفي مقدمتها الاكتئاب مصاحبه للمرض العضوي او نتيجه له, فمثلا يكثر
حدوث الاعراض الاكتئابيه بعد الاصابه بالانفلونزا او الامراض التي تسببها الفيروسات, وكذلك تكثر الاعراض الاكتئابيه
واعراض القلق مع اضطرابات الدوره الشهريه او في الفتره التاليه للولاده! وكثيرا ما يظهر المرض
النفسي خاصه الاكتئاب بصوره اعراض عضويه مثل اضطرابات المعده والقولون والصداع والام الظهر والمفاصل والكثير
غيرها!.
والامراض النفسيه يمكن ان تظهر باحدى ثلاث صور:
مجموعه من الاعراض النفسيه دون ان يصاحبها ايه اعراض عضويه.
مجموعه من الاعراض العضويه كالغثيان والقيء والم الظهر والاطراف, دون ان يكون هناك اعراض نفسيه
واضحه صاحبه, مما يجعل المريض وذويه يعتقدون ان المرض عضوي لا نفسي, مثل امراه تشكو
فقط بانها تتقيا اي شيء تاكله, وتم التدخل الجراحي في حالتها عده مرات, وادخلت العديد
من المستشفيات دون فائده تذكر وفي النهايه تم تحويلها الى العياده النفسيه.وبعد عده جلسات من
العلاج النفسي انقطع القيء عنها.
ويحدث نفس الامر في الاطفال يكثر ظهور اعراض جسديه كالصداع والام البطن والقيء وغيرها كثير
لاسباب نفسيه مثل الخوف من المدرس او عند مقابله الاغراب او عند فقد الام.
وكذلك الاكتئاب عند كبار السن يظهر في احيان كثيره باعراض عضويه مثل الام البطن واوجاع
الظهر والصداع هي نوبات متكرره من الاكتئاب, وكذلك الحال عند المسنين الذين اصبحوا على هامش
الحياه, فانهم يشتكون من بعض الاوجاع او يبالغون في الشكوى من اجل جلب اهتمام من
حولهم.
وقد يحدث العكس فتظهر الامراض العضويه باعراض نفسيه, كما هو الحال في اضطراب الغده الدرقيه
وفي سرطان البنكرياس والحمى المالطيه وامراض جهاز المناعه كالذئبه الحمراء وغيرها.
فقد تظهر الامراض النفسيه بمجموعه من الامراض لنفسيه والعضويه في ان واحد, كشكوى مريض القلق
من خفقان القلب والعرق والرعشه في بعض انحاء الجسم(كاعراض عضويه)اضافه الى الخوف والتوجس وعدم الشعور
بالاستقرار والطمانينه(كاعراض نفسيه).مثل مريض نوبات الهلع(القلق الحاد النوبي) وهو مريض يشتكي من اعراض مفاجئه يحدث
فيها تسارع لضربات القلب واختناق, وربما رعشه وجفاف بالحلق, تدفع طبيب الباطنه الى طلب فحوص
ثم فحوص, ولا احد يدل المريض على الطبيب النفسي حتى الطبيب الباطني يقول (دي حاله
نفسيه هتروح لوحدها).
10-الاعراض النفسيه هي رد فعل طبيعي لظروف الحياه ولا فائده من علاجها دون حل للمشكلات
الحياتيه!
وجود مرض عضوي لا يعني ان الامراض النفسيه المصاحبه هي مجرد توابع مبرره, ولا تحتاج
لعلاج, وانما يلزم تقييم هذه الاغراض بواسطه طبيب متخصص وتحديد العلاج اللازم لها؛ لان علاج
الامراض النفسيه المصاحبه للمرض العضوي يودي الى تحسن استجابه الاخير للعلاج ويودي الى تقليل معدلات
المضاعفات والانتكاسات التي تمثل مشكله في التعاملمع الكثير من الامراض العضويه.
11- ارتباط الامراض النفسيه عند الكثيرين بالجنون والتخلف العقلي:
ولوسائل الاعلام دور كبير ويودي هذا الى التردد عند زياره الطبيب النفسي, والخجل من ذلك,
بل ربما الامتناع عن الاقدام عليه اصلا, رغم الحاجه الشديده اليه.
ويتاخر الناس في احضار مريضهم حتى يستفحل فيه المرض جدا, مما قد يجعل من الصعب
علاجه, كما انه سيحتاج لفتره اطول من العلاج.
فكم نتمنى ان تعود الاقسام النفسيه الى المستشفيات العامه.
12-اعتقاد بعض الناس ان منشا مرض الوسواس القهري من الشيطان فقط ولا علاقه للطب النفسي
به من قريب او بعيد:
يرى الاطباء النفسيين انه لا علاقه للشيطان بمرض الوسواس القهري, بينما يرى الشيوخ ومدعي العلاج
بالقران الكريم ان الشيطان هو مصدر جميع انواع الوسواس و اشكاله.
فالشيطان يوسوس في حدود قدرته التي سمح له الله سبحانه بها, وهي محدوده وفي مقدور
كل بني ادم ان يتغلب عليه بذكر الله عز وجل, والاستعاذه به سبحانه وتعالى من
الشيطان الرجيم.
ان الشيطان يكف ولو مرحليا عن الوسوسه عند الاستعاذه بالله عز وجل, بينما الوساوس القهريه
لا تخف ولا تختفي بعد الاستعاذه بالله من الشيطان؛ لان الشيطان ليس مصدرها وان شارك
فيها في كثير من الاحيان.
وما استطيع استنتاجه هو ان كل وساوس النفس, ووساوس الشيطان انما تدور داخل حدود مقدره
الانسان, بمعنى انه يستطيع التعامل معها والتحكم فيها سواء بذكر الله او التعوذ به او
قراءه القران الكريم او بزياده تمسكه والتزامه بشعائر دينه الى اخر الوسائل الدينيه لتهذيب النفس.
ومما يولم الموسوسين في مجتمعاتنا العربيه اجتهاد بعض طلبه العلم بالاستشهاد بالاحاديث التي تنهي عن
التنطع والغلو في الدين في حق الموسوسين مثل قوله صلى الله عليه وسلم:(لا تشددوا على
انفسكم فيشدد الله عليكم فان قوما شددوا على انفسهم فتشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في
الصوامع والديار: رهبانيه ابتدعوها ما كتبناها عليهم). فالتشدد هو الغلو والتنطع في الدين النابع من
ذات الفرد وبارادته وتقربا منه الى الله, اما الموسوس المريض فامره مختلف تماما, فهو يشكو
لكل احد من وسواسه, ويتالم منه, ويستفتي العلماء في حاله, ويتردد على الاطباء, ويدعو الله
ان يخلصه منه ويقاومه.
واما الوساوس القهريه المرضيه (اضطراب او مرض الوسواس القهري),فهي عله مرضيه تصيب بعض الناس كما
تصيبهم ايه امراض اخرى.
ويبدو انه ان كان للشيطان دور في هذا النوع من الوساوس,فربما كان على شكلين:
ربما للشيطان دور في الوسوسه لذلك الفرد في بدايه مرضه, فان صادفت تلك الوسوسه نفسا
ذات قابليه للاصابه بالمرض حدث له.
في العبادات: فربما يكون للشيطان دور في اقناع مريض الوسواس القهري بتقصيره في حق الله؛
يوهمه ان معاناته بسبب ضعف ايمانه؛ مما يودي الى تغلب الشيطان عليه, وليس بسبب عله
مرضيه اصابته.
والعجيب ان بعض الجاهلين يعاتبون المريض على وسواسه وكيف سمح للشيطان ان يتغلب عليه؛ فيزيدون
من معاناته وهم لا يشعرون, وذلك لان زياده قلق الموسوس تزيد من وسواسه
ومما يرجع الصفه المرضيه لهذا النوع من الوساوس: حدوثه في غير امور العبادات بشكل كبي,
رغم اننا ندرك ان الشيطان عدو للانسان في شئون دينه ودنياه, اضافه الى ذلك فان
اصابه بعض من لم يعهد عنهم زياده في تدين او صلاح ببعض الوساوس القهريه في
امور العبادات مما يدعم الصفه المرضيه لهذا المرض, وكذلك حدوث مثل هذه الوساوس مثلا لمن
هم على الديانه البوذيه او الهندوسيه, فانا لا اظن ان احدا سيقول بان الشيطان يبعد
البوذي عن عباده بوذا مثلا, وكذلك انتشار ذات المرض عند اقارب المريض مما يدعم بشكل
جلي وجود اضطراب مرضى عند تلك الفئه من الناس.
ويختلف هذا النوع من الوساوس عن الوساوس النفسيه في انه لا يدعو الانسان الى محبوبات
النفس, بل يجبر النفس على فعل اشياء تعرف في قرارها بانها خاطئه وذات طابع بغيض
وغير مرغوب فيها, وبلا معنى, لكن النفس لا تستطيع مقاومتها في اغلب الاحيان.
وجه النبي صلى الله عليه وسلم في الاحاديث الى وسائل علميه للعلاج وهي منع الاستجابه,
والتي تعتبر احد التقنيات المستخدمه طبيا في علاج الوسواس القهري.
جمع النبي صلى الله عليه وسلم في الاحاديث بين الاستعاذه والعلاج العملي(مثل ايقاف الافكار وفنيات
صرف الانتباه) [لقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الوسواس فقال: فليستعذ بالله
ولينته-الموقع]
مما سبق نستنتج ان اي اجراء عملي او خطوه علاجيه مباحه سواء بالعقاقير او الوسائل
العلاجيه النفسيه الاخرى مما يدعم الصفه المرضيه لهذا الداء, اضافه الى ذلك فان الابحاث العلميه
اثبتت وجود تغير في انسجه المخ واضطراب في مستوى بعض الناقلات العصبيه خصوصا ماده السيروتونين
عند بعض المصابين بمرض الوسواس القهري والذي يتبدل عند التداوي بالعلاج المناسب سواء كان عقارا
نفسيا او برنامجا علاجيا سلوكيا.
ومما يدعم ذلك ايضا اصابه بعض الكفار بهذا المرض وهم من خلت قلوبهم من التوحيد
–اصل الايمان- فلا حاجه للشيطان ان يصيبهم بالوسواس فيما دون ذلك من امور الدنيا.
ولعل توافق اسم هذا المرض”الوسواس القهري” لفظا مع كلمه وسواس التي تنسب عاده الى الشيطان؛
جعل بعض الناس يربطون هذا المرض دائما بالشيطان.
ومما يولم المصابين بداء الوسواس القهري ما يقرءونه في كتب بعض العلماء من ذم الوسوسه
والموسوسين؛ لانهم كانوا يطلقون ذلك الوصف على جميع انواع الوسواس دون تخصيص.
وان قلب الطبيب النفسي ليتالم حينما يرى بعضا من امته يصارع مرض الوسواس القهري لسنوات
عديده ويرفض زياره المريض النفسي؛ اما لقناعته بعدم فائده العلاج النفسي في علاج علته؛ او
بسبب النظره الاجتماعيه السلبيه تجاه الطب النفسي.
13-اعتقاد بعض الناس بان الطبيب النفسى لا يومن باثر القران ودوره فى العلاج وانه منكر
لاثر الجن والسحر والعين :
وهذا ما يعمل بعض المعالجين على نشره بين الناس وهو افتراء ينتج عن سوء نيه
او عن جهل بحقيقه الامور .
تضع طبيعه تخصص الطب النفسى من يتخصص فيه من بين الاطباء فى وضع من يتعامل
مع مشاعر الناس وافكارهم وخبراتهم التى تختلف عما يتعامل معه الاطباء .
ان الاطباء النفسيين المسلمين يختلفون بشكل كبير فى ايمانهم بتلك الغيبيات عن غير المسلمين .
ان بعض الاطباء النفسيين غير المسلمين يومن بتلك الامور الغيبيه، فما بالك بالاطباء النفسيين المسلمين،
ومن هولاء الاطباء من يسال عن دليل شرعى او علمى يربط تلك الاعراض التى يعانى
منها مريض ما بانها حدثت بسبب احد تلك الامور الغيبيه ، ورغم عدم وجود دليل
واضح يربط تلك الاعراض بسببها الغيبي الذي يفترضه الشيوخ فان العقلاء من الاطباء النفسيين لا
ينكرون احتماليه ذلك ، كما انهم يتوقفون عن قبوله فى ان واحد .
ولقد ادى هذا الاعتقاد عند بعض االمعالجين الى التاثير على النظره الاجتماعيه للطب النفسى ،
لما لهم من تاثير فعال خصوصا على بسطاء وعامه الناس ، وهم العدد الاكبر فى
الشعوب عامه .
ان وجود طبيب نفسى واحد او اكثر ينكر تاثير تلك الامور الغيبيه ، بل ربما
ينكر وجودها اصلا ، فان ذلك لا يعنى ان كل الاطباء النفسيين كذلك، فالاطباء النفسيون
مثلهم مثل غيرهم من الناس ، حيث ان هناك بعضا من الناس من غير الاطباء
ينكرون تلك الامور الغيبيه جمله وتفصيلا ولست هنا اعلل لاولئك الاطباء ، فهم مخطئون ولا
شك ، وانما ارفض وصم جميع الاطباء النفسيين بانكار الجن والسحر والعين.
14-الطبيب النفسى سيدخلك فى الدوامه فاحذر منه!!
هذا المفهوم المخالف للحقيقه انما هو مستنبط من افكار اخرى تجمعت فى اذهان الناس، بعضها
مستمد من الافلام السينمائيه القديمه، وبعضها من حكايات الناس عن المريض الذى لا يشفى! ويظل
مترددا مستديما على الطبيب معتمدا عليه ، وبعضها من الافلام العربيه التافهه التى تعيق عقولنا
عن معرفه الواقع .
الدوامه اذن هى وهم لا اساس له من الصحه.
فاذا اردنا ان نستشهد بما نسمعه من الكثيرين من مرضانا الذى لا يصلون الى الطبيب
النفسى الا بعد جوله طويله بين الاطباء فى التخصصات المختلفه مع ان اضطرابهم يكون نفسيا
، لكن اعراضهم تاخذ شكلا عضويا فسوف نجد الكثير والكثير.
15-الطب النفسى وعلم النفس من افرازات الحضاره الغريبه ولا يمتان الى الاسلام بصله:
الطبيب النفسى المسلم هو فرد من افراد مجتمعه يدين بما يدينون به ويعتقد ما يعتقدونه
، وما دراسته وممارسته للطب النفسى الا محاوله منه فى الانتفاع من هذا التخصص فى
خدمه مجتمعه ، واضعا ذلك كله فى اطار من ضوابط دينه.
16-الطبيب النفسى غير مستقر نفسيا اصلا فكيف يمكن العلاج عنده ؟!:
ان الاعتقاد بعدم استقرار الطبيب النفسى نفسيا فى الاصل مفهوم غربى تلقفته المجتمعات الشرقيه، وذلك
لان العلاج النفسى فى بداياته كان يعتمد على التحليل النفسى والنظر فى مشاعر الفرد وخلجاته
التى ربما لا يشعر بها ، وتقديم تحليل نفسى لها، وهو ما جعل المعالج يبدو
فى نظر بعض الناس غريبا، وذا قدرات خاصه مما جعلهم ينسجون حوله الخيالات والاساطير، كما
ان بعض المحللين النفسيين فى اوربا ماتوا منتحرين بسبب اصابتهم بالاكتئاب! وقد بدا ذلك غريبا
بالطبع فى افهام الناس؛ لانهم يتوقعون فى المحلل النفسى مناعه من المرض الذى يعالجه، وكان
فى ذلك ايضا ما تلقفته وسائل الاعلام الغريبه ونفخت فيه ما شاءت من النفخ ،
ومجتمعنا بالطبع لا يعرف ما الفرق بين المحلل النفسى والطبيب النفسى، وكلهم عند الكثيرين سواء
.
واما حقيقه الامر فان الطبيب النفسى ما هو الا انسان عادى تماما، قد درس الطب
البشرى فاعجبه الطب النفسى فاختار التخصص فيه دون سواه.
ويعتقد بعض الناس انه قد تتاثر مع الزمن نفسيه الطبيب النفسى فتصيبه بعض العلل النفسيه!!
وفى الحقيقه ان هذا الاعتقاد لا اصل له، وانما هو مجموعه من الاوهام نشات بسبب
النظره الاجتماعيه المتوجسه من الطب النفسى.
وكثيرا ما يسال اصدقاء الطبيب النفسي واقرباءه بعد دعائهم له بان يعنيه الله على تخصصه
هذا: اليس صحيحا ان الطبيب النفسى يعانى نفسيا بعد فتره من عمله بسبب ما يسمعه
من المرضى؟ ولسن ارى ردا ابلغ من الرد التالى :
” اذا كان طبيب النساء والولاده ينتابه الحيض والنفاس بعد فتره ممارسه من تخصصه، وكان
طبيب الاطفال كلما زادت خبرته صغر حجمه حتى يعود فى بطن امه، فان الطبيب النفسى
ولا شك يعتريه ما تشاء من الامراض النفسيه !!”.
17-الطبيب النفسى لديه قدرات خاصه وربما خارقه على حل المشكله ! :
اصحاب هذا المفهوم من المرضى كثيرون للاسف! ويتميزون بتوقعات تفوق الحقيقه عن طبيبهم النفسى وعن
قدراته على معرفه اشياء لا يعرفونها هم انفسهم خارج ميدان الطب النفسى بالطبع – لان
طبيعه الموقف الطبى عامه تفرض كون الطبيب اكثر علما من مريضه فى حدود تخصصه لكن
الاطباء النفسيين مساكيين!! فمجال عملهم فى راى كثير من المرضى هو الحياه باسرها على ما
يبدو، وقدراتهم على حل المشاكل وتقديم العون هى بالتاكيد فوق الشك! بعضهم يجلس معك ويطلب
منك بعد الجلسه الاولى ان تقدم له الحل لمشكله عمرها مثلا خمس سنين وتقع فى
الغالب خارج مجال الطب النفسى وتكون مشكله اجتماعيه فى اغلب الاحيان!.
وبعضهم ياتيك مره واثنين وثلاثا وتبدا العمل معه ثم يفاجئك بعد ذلك بانه لا يستعمل
الدواء الذى اتفقت معه عليه ثم يفاجئك بانه لم يكن يتوقع منك دواء كيميائيا.
او تجد انه لا يطبق خطوات العلاج السلوكى التى حددتها معه ، اى انه لم
يغير شيئا من سلوكه! فمثلا لم ينقطع عن مقابله شلته التى يشرب معها ثم غالبا
بعدما تمضى فى تحليل خلفيته الفكريه تجد انه يريد منك ان تفعل كل شئ، وكان
لسان حاله يقول: انه انسان مثقف يعرف قيمه الطب النفسى واهميته فى فعل مالا يقدر
عليه احد، وبالذات هو نفسه بالطبع! ولذلك لجا لك فافعل ما تراه لازما دون ان
تتعبه !.
الحقيقه ان هولاء علمونى ان اشرح بمجرد التقاطى لوجود هذه الفكره فى وعى او لا
وعى المريض مدى ما استطيعه ومدى ما الزمه به ؛ لان العلاج النفسى لا يغير
مريضا دونما تعب خصوصا فى مجال السلوك الاجتماعى او الفردى الواعى، اى فى مجال العلاج
السلوكى الذى يتطلب من المريض عملا مع الطبيب، وفى حياته لكى يتحقق التغيير! واستشهد بالايه
الكريمه { ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم }.
هنا اوضح لهذا المريض ما استطيعه ، وما يمكن لوسائل الطب النفسى ان تقدمه من
مساعده، وابين قدراتى وقدره الطب النفسى ذاته! لكى اجنب المريض الاحساس بالاحباط، واجنب نفسى الالم
الناتج عن ذلك!.
18-الدواء النفسي يجب ان يحل كل المشاكل دون تعب:
ما يستطيع الدواء النفسى فعله فهو القضاء بفضل الله على اعراض الاضطراب النفسى العارض، اى
انه يزيل اعراض الاكتئاب او الوسواس او الرهاب او الفصام او غيها مادامت ناتجه عن
خلل كيميائى فى وظيفه المخ، بحيث يعيد المريض الى حالته قبل حدوث الاضطراب النفسى، لكنه
لا يستطيع فى حاله اضطراب الشخصيه الا ان يقلل الى حد ما من معاناه المريض،
ومن بعض الاعراض الناتجه عن خلل كيميائى فى وظيفه المخ ايضا، لكنه لا يستطيع ان
يغير بالطبع من طريقه تفهمه للواقع وطريقه تعامله مع الاخرين، فهذه كلها امور تحتاج الى
نوع مناسب من انواع العلاج النفسى المختلفه.
- الصور التي يستخدمها الاطباء النفسيين
- الصور التي يستعملها اطباء النفس
- الصور التي يستخدمها الاطباء النفسانيون
- صور معبره عن الاستغراب
- صورة يستعملها الاطباء في مستشفى الامراض النفسيه
- الصور التي يستخدمها اطباء النفس والعلاج
- الصوره التي يستخدمها الأطباء النفسيين
- هل يعالج مرض الذهان باصدمات الكهربائيه
- الوسواس القهري موخذ عليه المومن
- بحث عن خفض الوصمه لدى البدينات