الركن المعنوي في الجريمه العمديه
القصد الجنائي
المطلب الاول : تعريف القصد الجنائي
اشار قانون العقوبات الجزائري في كثير من مواده الى القصد الجنائي باشتراطه ضروره توافر العمد
في ارتكاب الجريمه دون ان يشير الى تعريفه كغيره من قانون العقوبات على وجه العموم
و قد حاول الفقه القيام بهذه المهمه فقيل بتعريفات عديده لا تختلف في مضمونها اذ
تدور حول نقطتين, الاولى: وجوب ان تتوجه الاراده الى ارتكاب الجريمه , و الثانيه :
ضروره ان يكون الفاعل على علم باركانها فاذا تحقق هذان العنصران معا ( العلم و
الاراده ) قام القصد الجنائي و بانتفائهما او انتفاء احدهما ينتفي القصد الجنائي, و بناءا
عليه نستطيع تعريف القصد الجنائي بانه العلم بعناصر الجريمه و اراده ارتكابها. (1)
وكما عرفه ايضا الدكتور فتوح عبد الله الشاذلي ب( القصد علم بعناصر الجريمه كما هي
محدده في نموذجها القانوني و اراده متجهه الى تحقيق هذه العناصر او قبولها).(2)
المطلب الثاني : عناصر القصد الجنائي
اولا : العلم
** ماهيه العلم : العلم هو حاله ذهنيه او قدر من الوعي يسبق تحقق الاراده
و يعمل على ادراك الامور على نحو صحيح مطابق للواقع . و العلم بهذا المعنى
يرسم للاراده اتجاهها و يعين حدودها في تحقيق الواقعه الاجراميه و لذلك يجب توافر العلم
بعناصر الواقعه الاجراميه.
و عناصر الواقعه الاجراميه التي يلزم العلم بها لقيام القصد الجنائي هي كل ما يتطلبه
المشرع لاعطاء الواقعه وصفها القانوني و تمييزها عن غيرها من الوقائع المشروعه و الى جانب
الاراده يتعين ان يحيط الجاني علما بجميع العناصر القانونيه للجريمه اي باركان الجريمه كما حددها
نص التجريم فاذا انتفى العلم باحد هذه العناصر بسبب الجهل او الغلط انتفى القصد بدوره.
** العلم بالوقائع : الاصل ان يحيط علم الجاني بكل الوقائع التي يتطلبها القانون لقيام
الجريمه فلا يقتصر الامر على العناصر السابقه على السلوك و انما يعتمد
(1)- ا/ عبد الله سليمان: شرح قانون العقوبات الجزائري(القسم العام/ الجريمه)- ديوان المطبوعات الجامعيه- الجزائر-1998-
ص: 231
(2)- د/فتوح عبد الله الشاذلي: شرح قانون العقوبات(القسم العام)- ابو العزم للطباعه-
2
ليشمل العناصر اللاحقه و المعاصره للفعل طالما كانت ضروريه للتكوين القانوني للواقعه.
*** الوقائع التي يجب العلم بها :
الوقائع التي تدخل في تكوين الجريمه و التي يتطلب المشرع ان يحيط علم الجاني بها
هي :
– 1/ موضوع الحق المعتدى عليه :
لقيام القصد الجنائي وجب ان يكون الجاني على علم بموضوع الحق الذي يعتدي عليه ففي
جريمه القتل مثلا يتطلب القصد ان يكون على علم بانه يعتدي على انسان حي ,
و في جريمه السرقه يجب ان يعلم ان المال مملوك للغير, فاذا كان الجاني يجهل
هذه الحقائق انتفى القصد.
– 2/ العلم بخطوره الفعل على المصلحه المحميه قانونا :
اذا اعتقد الجاني ان فعله لا يكون خطرا على المصلحه المحميه قانونا ثم قام بفعله
على هذا الاساس فان فعله الضار لا يعد جريمه عمديه اذا ينتفي القصد لديه
-3/ العلم بمكان و زمان ارتكاب الفعل :
الاصل ان القانون يجرم الفعل في اي مكان وقع او في اي زمان حدث و
لكن القانون اشترط في بعض الجرائم ان ترتكب في مكان محدد فجريمه التجمهر لا تتم
الا في مكان عام (م/97 ق ع) و كذلك جريمه السكر العلني (م 1 الامر
رقم 75-26 الصادر في 29 افريل 1975) و جريمه ترك الاطفال لا تتم الا في
مكان خال (م/ 413ق ع).
كما اشترط القانون على بعض الجرائم ان ترتكب في زمان محدد كالجرائم التي ترتكب في
زمن الحرب (م/62 , م/73 ق ع) و الجرائم التي ترتكب بعد الكوارث الطبيعيه (م/354
ق ع).
و قد يجتمع الشرطان معا و في نفس الواقعه كاشتراط العلم بزمان و مكان الجريمه
, كما في جريمه الاعتداء على مسكن ليلا (م/40 ق ع)
-4/ العلم ببعض الصفات في الجاني او المجني عليه :
قد يتطلب المشرع صفه معينه في الجاني او المجني عليه , كما يقتضي ان يعلم
الجاني بهذه الصفات كي يقوم القصد في الجريمه المرتكبه. و من الصفات الخاصه في الجاني
ان تعلم المراه التي نحاول اجهاض نفسها بانها حامل , فاذا
قامت المراه باعمال اجهضتها و هي لا تعلم انها حامل لا ترتكب جريمه عمديه اي
ينتفي قصدها الجنائي. (1)
(1)- انظر المرجع السابق للاستاذ عبد الله سليمان:– ص: 251,252
3
و من الصفات الخاصه بالمجني عليه التي يتطلبها القانون و التي يجب ان يعلمها لتوافر
القصد كون المجني عليه موظفا في جريمه اهانه الموظفين ( م/144 ق ع ) ,
و كون المراه متزوجه في جريمه الزنا ( م/339 ق ع)
-5/ توقع النتيجه :
يهدف من اتى فعلا الى تحقيق نتيجه محدده فيها , و توقع هذه النتيجه امر
مطلوب يتوافر القصد لديه فمن يطلق النار على خصمه يتوقع ان يقتله و تكون جريمه
عمديه اذ يتوافر القصد لديه.
يعد الظرف المشدد الذي يغير من وصف الجريمه بمثابه ركن لها و لذا وجب احاطه
علم الجاني به , م/97 عقوبات التجمهر المسلح يختلف عن جريمه التجمهر البسيط و لذا
وجب علم الجاني بانه في تجمهر مسلح لتطبيق العقوبات المشدده عليه و ما يقال على
جريمه التجمهر يقال على جريمه السرقه الموصوفه. 6/ العلم بالظروف المشدده التي تغير من وصف
الجريمه :(1)
*** الوقائع التي لا يوثر الجهل بها في القصد الجنائي :
هذه الوقائع ترتبط بالجريمه و لكنها لا تعتبر ركنا فيها و لهذا فان القانون لم
يوجب العلم بها و لم يعتبر الجهل موثرا , و لذلك فانها لا توثر على
القصد الجنائي سواء علم به الجاني او لم يعلم و هذه الوقائع هي :
1/ جهل الجاني بحالته الشخصيه التي تتطلب تشديد العقوبه : فكما هو معروف فان العود
يودي الى تشديد العقوبه و الجاني يرتكب جريمه و كان قد حكم عليه من قبل
, لا يقبل دفعه بانه نسي ارتكابه للجريمه السابقه بل يعاقب على اساس توفر القصد
الجنائي و مع الاشاره الى ان الظرف لا يغير من وصف الجريمه , فالعود في
المخالفات لا يرفعها الى جنح ( م/ 465) 2/ جهل الجاني بانه اهل لتحمل المسووليه
: ان يعتقد انه دون السن القانوني لذلك او كان يظن بحكم وظيفته انه يتمتع
بالحصانه و الواقع غير ذلك ففي هذه الاحوال لا ينتفي عنه توفر القصد الجنائي و
يحاسب على جرائمه على اساس العمد او كان يعتقد انه مصاب بمرض عقلي مانع من
المسووليه اعتمادا على ملف طبي ظهر انه خاطئ. 3/ الجهل بالقانون او الغلط فيه :
فالاصل ان من كان يجهل ان القانون قد منع هذا الفعل او عاقب عليه فان
جهله لا يوثر في توفر القصد الجنائي. (2)
* لكن ما القول لو انصب الغلط على القانون نفسه , فادعى الجاني بانه يجهل
القانون او انه وقع في غلط عند تفسيره ؟
(1)- ا/ عبد الله سليمان: المرجع السابق – ص: 253 , 254
(2)- د/ منصور رحماني: الوجيز في القانون الجنائي العام – دار العلوم للنشر- عنابه-2006 –
ص: 110
4
ان احتجاج الجاني بجهله القانون انه وقع في غلط عند تفسيره لنفيه القصد هو احتجاج
غير مقبول فالقاعده انه لا يعذر الانسان بجهله للقانون فالعلم بالقانون مفترض و نظرا لاهميه
هذه القاعده فقد تاكدت في نص دستوري لا يعذر بجهل القانون .
ولهذا فان الفقه يميل الى التخفيف من هذه القاعده و ذلك بالقول بان القصد ينتفي
عند الاستحاله المطلقه للعلم بالقانون و انه يمكن الاحتجاج بالجهل بالقانون اذا كان محل الجهل
او الغلط بقانون اخر غير قانون العقوبات و انه يجوز نفي القصد في حاله الغلط
دون خطا Erreur invincible كما يسميه القضاء الفرنسي.
ثانيا : الاراده
** المقصود بالاراده : الاراده قوه نفسيه تتحكم في سلوك الانسان فهي نشاط نفسي يصدر
من وعي و ادراك بهدف بلوغ غرض معين , فاذا توجهت هذه الاراده الى المدركه
و المميزه عن علم لتحقيق الواقعه الاجراميه بسيطرتها على السلوك المادي للجريمه و توجيهه نحو
تحقيق النتيجه قام القصد الجنائي في الجرائم الماديه ذات النتيجه , في حين يكون توافر
الاراده كافيا لقيام القصد اذا ما اتجهت لتحقيق السلوك في جرائم السلوك المحض.
و للاراده اهميه قصوى في نطاق القانون الجنائي , فالقانون يغني الاعمال الاراديه فاذا تجرد
فعل الانسان من الاراده فلا يعتد به ولو اصاب المجتمع بافدح الخسائر.
** نطاق الاراده في مجال القصد الجنائي : تولف الاراده العنصر الاساسي في القصد الجنائي
و في الركن المعنوي على وجه العموم , فما مدى سيطرتها على ماديات الجريمه ؟
ان توجه الاراده لتحقيق الجريمه يبدو واضحا بالنسبه للجرائم الشكليه التي تقوم بمجرد السلوك المحض
, ففي توجه الاراده لتحقيق السلوك ما يكفي للقول بانها تسيطر على كل ماديات الجريمه
الشكليه , اما بالنسبه للجرائم الماديه فان الامر موضع خلاف , فالاراده تسيطر على السلوك
و لكن ما علاقتها بالنتيجه ؟
انقسم الفقه بهذا الشان الى رايين , الاول يرى ضروره ان تكون الرابطه بين الاراده
و النتيجه رابطه قويه بحيث تتجه اراده الفاعل اليها و ترغب في تحقيقها و بالتالي
تسيطر عليها كما تسيطر على ماديات السلوك و قد سمي هذا الاتجاه في الفقه ب
( نظريه الاراده ) . (1)
و الراي الثاني يرى ان الرابطه بين الاراده و النتيجه رابطه ضعيفه اذ يكتفي بنوع
العلاقه تقوم بمجرد العلم او التصور او التوقع فيما يطلق عليه الفقه ( نظريه العلم
) , و سنحاول فيما يلي بيان كل راي منهما على النحو التالي :
(1)- ا/ عبد الله سليمان: المرجع السابق – ص: 257 , 285
5
*** 1/ نظريه العلم : ترى هذه النظريه ان اراده الجاني تتجه لتحقيق الفعل مع
علمه او توقعه بالنتيجه فالاراده لا يمكنها ان تسيطر على الافعال اللاحقه على السلوك حيث
تقتصر على الفعل ( السلوك ) و تاتي النتيجه بعد ذلك طبيعيه لا سيطره لاراده
الانسان عليها و على هذا الاساس فان اراده النتيجه ليست من عناصر القصد الجنائي اذ
يكفي ان يريد الفاعل الفعل و يتوقع النتيجه فحسب .
و خلاصه هذا الراي ان القصد الجنائي يقوم على اراده السلوك و العلم بالنتيجه او
توقعها.
*** 2/ نظريه الاراده : ترى هذه النظريه ان الاراده تتوجه لتحقيق الفعل المكون للجريمه
فهي تريد السلوك و تريد النتيجه التي يتمثل فيها الاعتداء على المصلحه المحميه قانونا ,
بل ان اراده الفاعل تريد كل واقعه تحدد دلاله الفعل الاجراميه اذا كانت جزءا يعتد
به في تكوين الجريمه.
وحجه هذا الراي ان العلم وحده كحاله نفسيه مجرده من كل صفه اجراميه لا يمكن
ان يوصف بالاجرام فالتجريم يتناول افعالا و ليس حالات نفسيه ثابته في حين ان الاراده
هي اتجاه و نشاط تكون مسووله اذا ما انحرفت عن الطريق الذي يرسمه القانون.
و ينتقد انصار هذه النظريه نظريه العلم بالقول بان مجرد العلم تجعل القصد الجنائي يختلط
بالخطا غير العمدي , و ذلك لان الجاني في الخطا غير العمدي قد يتوقع النتيجه
ايضا وهي – نظريه العلم – تثير صعوبه في تحديد القصد المباشر و فصله عن
القصد الاحتمالي.
و خلاصه هذا الراي ان القصد الجنائي يتطلب اراده السلوك و اراده النتيجه ايضا ,
فاراده السلوك وحدها لا تكفي لقيام القصد الجنائي , و هذه النظريه هي السائده حتى
الان في الفقه على وجه العموم. (1)
المطلب الثالث : صور القصد الجنائي
* اولا * القصد العام و القصد الخاص :
– القصد الجنائي العام :
يهدف الجاني عند ارتكابه الواقعه الاجراميه مع العلم بعناصرها الى تحقيق غرض معين , بتحقيقه
قد تتم الجريمه و يتوافر لها القصد الجنائي العام , ففي جريمه القتل يكون غرض
الجاني ازهاق روح المجني عليه , و في جريمه (2)
(1)- ا/ عبد الله سليمان: المرجع السابق – ص: 259 , 260
(2)- د/فتوح عبد الله الشاذلي: المرجع السابق – ص: 450
6
السرقه يكون غرض الجاني حيازه المال المسروق , و عليه فالقصد العام امر ضروري و
مطلوب في كل الجرائم العمديه .
و ينحصر القصد العام في حدود تحقيق الغرض من الجريمه فلا يمتد لما بعده ,
و ايه ذلك هو ان يكتفي القانون بربط القصد الجنائي بالغرض الذي يسعى له الجاني
بغض النظر عن الغايه او الباعث الذي يحركه او يبتغيه , و على ذلك يعد
تحقيق الغرض او محاوله تحقيقه هو الامر الضروري لقيام القصد الجنائي العام بوصفه الهدف الفوري
و المباشر للسلوك الاجرامي.
– القصد الجنائي الخاص :
قد يتطلب القانون في بعض الجرائم ان يتوافر لدى الجاني اراده تحقيق غايه معينه من
الجريمه , فلا يكتفي بمجرد تحقق غرض الجاني كما في القصد الجنائي العام , بل
يذهب الى اكثر من ذلك فيتغلغل الى نوايا الجاني و يعتد بالغايه التي دفعته الى
ارتكاب الجريمه .
و الغايه هي الهدف الذي يبتغيه الجاني من تحقيق غرضه المباشر في ارتكاب الجريمه ,
و اذا كان الغرض لا يختلف في الجريمه الواحده بين جان و وجان اخر ,
فان الغايه تختلف , فقد يكون القتل لغايه التخلص من منافس , او للحصول على
امواله او لامور اخرى , و تختلف الغايه عن الباعث او الدافع لارتكاب الجريمه ايضا
, فالباعث هو الدافع النفسي لتحقيق سلوك معين بالنظر الى غايه محدده , فمثلا في
جريمه القتل يكون الغرض ازهاق روح المجني عليه , وقد تكون الغايه تخليص المريض من
الامه و الباعث هو الشفقه , فيقال عندئذ : القتل بدافع الشفقه , و قد
يكون الباعث ( الدافع ) هو الانتقام.
و لا يعتد القانون بالباعث الا اذا نص عليه المشرع صراحه و هو امر نادر
, لانه يخرج عن دائره الركن المعنوي للجريمه.
و لا يختلف القصد الخاص عن القصد العام من حيث العناصر التي تكون كلا منها
, فطبيعتهما واحده تقوم على توافر ذات العناصر اي عنصري : العلم و الاراده ,
لكن موضوع العلم و الاراده في القصد الخاص اكثر تحديدا و كثافه منه في القصد
العام. (1)
*ثانيا* القصد المحدد و القصد غير المحدد :
– القصد المحدد :
القصد المحدد هو القصد الذي تتجه فيه الاراده الى تحقيق النتيجه الاجراميه في
(1)- ا/ عبد الله سليمان: المرجع السابق – ص: 262 ,263 , 264
7
موضوع محدد كما اذا اطلق الجاني النار على شخص او اشخاص معنيين بقصد قتلهم فالقصد
لديه محدد .
– القصد غير المحدد :
هو القصد الذي تنصرف فيه اراده الجاني الى ارتكاب الجريمه دون تحديد لموضوعها , وقد
اراد كل ما سينجم عنها بغض النظر عما ستسفر عنه , عد قصده غير محدود
, فمن تتجه ارادته الى تفجير قنبله في مكان عام دون ان يكون لديه تصور
محدد لاي عدد من الناس سيقتل , فان قصده يكون غير محدد.
*ثالثا* القصد المباشر و القصد غير المباشر :
– القصد المباشر :
يكون القصد مباشرا عندما تتوجه اراده الفاعل لارتكاب الواقعه الاجراميه التي ارادها بكل عناصرها ,
بحيث لا يراوده شك بضروره حدوث النتيجه التي اراد تحقيقها فمن يطلق النار على خصمه
بهدف قتله يتوقع نتيجه محدده بعينها و هي ازهاق روح المجني عليه و لذا فان
قصده هنا يعد قصدا مباشرا.
– القصد غير المباشر :
اذا باشر الجاني سلوكه المودي للنتيجه متوقعا ان النتيجه ممكنه الوقوع لا اكيده الوقوع ,
فخاطر و مضى في سلوكه فان قصده هنا يعد قصدا غير مباشر او احتمالي.
و القصد المباشر هو الاصل في القصد الجنائي على مختلف صوره العام و الخاص ,
المحدود و غير المحدود , اما القصد الاحتمالي فهو نوع اخر تختلف فيه الاراء. (1)
(1)- ا/ عبد الله سليمان: المرجع السابق – ص: 267
8
المبحث الثاني
الركن المعنوي في الجريمه غير العمديه
الخطا غير العمدي
المطلب الاول : تعريف الخطا غير العمدي
الركن المعنوي في الجريمه غير العمديه يتمثل في الخطا, والخطا هو اتجاه اراده الشخص الى
اتيان سلوك خطر دون القيام بما هو واجب عليه من التدبر و الحيطه , و
عليه فمن يفضي سلوكه الى نتيجه اجراميه يكون مسوولا عنها اذا ثبت ان سلوكه يحمل
معنى تجاوز واجبات الحيطه و الحذر حتى و لو انه لم يتوقع النتيجه الاجراميه متى
كان بوسعه ان يتوقعها.
وينحصر الاختلاف بين الخطا و العمد في امرين الاول عدم اتجاه اراده المخطئ الى النتيجه
الاجراميه ان كانت هذه النتيجه عنصرا في الجريمه و الثاني قصور علم المخطئ عن الاحاطه
ببعض عناصر الجريمه او قعوده عن اتخاذ ما كان يجب عليه اتخاذه لتجريد سلوكه من
اثره الضار او الخطا , و يتفق الخطا مع العمد في ضروره الاراده الى السلوك
ذاته لان هذا العنصر عام في الركن المعنوي ايا كانت صورته.
المطلب الثاني : صور و عناصر الخطا غير العمدي
*اولا* : صور الخطا :
نصت الماده 288 من قانون العقوبات الجزائري على صور الخطا حيث ورد فيها : كل
من قتل خطا او تسبب في ذلك برعونته او عدم احتياطه او عدم انتباهه او
اهماله او عدم مراعاته الانظمه يعاقب بالحبس من سته اشهر الى ثلاث سنوات , و
بغرامه ماليه من 1000 الى 20000 دج . و ليست هذه الصور خاصه بالقتل فقط
بل تشمل الجرح كما في الماده 289 , كما تضمنت الفقره الثانيه من الماده 442
جميع صور الخطا. (1)
1 – الرعونه : نوع من التصرف يترك في طياته معنى سوء التقدير او الطيش
و الخفه في عمل يتعين بفاعله ان يكون على علم به كمن يقود سياره وهو
غير ملم بالقياده الماما كافيا. فالرعونه تفيد سوء تقدير الشخص لقدراته و كفاءاته في
(1)- انظر المرجع السابق للدكتور منصور رحماني:– ص: 119
9
القيام بالعمل الذي قام به.
2 – عدم الاحتياط : و ذلك عندما يدرك الفاعل طبيعه عمله و يعلم انه
يمكن ان تترتب عليه نتائج ضاره, و لكنه مع ذلك يستخف بالامر و يمضي في
عمله ظانا بانه يستطيع ان يتجنب النتيجه. كمن يقود سيارته في وسط مزدحم بالناس معتمدا
على مهاراته في تجنب النتيجه الضاره و لكنه لا يفلح اذ بصدم احد الماره في
الطريق. (1)
3 – الاهمال و عدم الانتباه : و يقصد به عدم القيام بالواجب كما ينبغي
, و هو بذلك امتناع و عمل سلبي , بحيث يترتب على ذلك وقوع الجريمه
, و مثاله من يحفر حفره في النهار لاشغال ما , و يتركها الى الليل
دون تغطيتها ولا انارتها , فيسقط فيها طفل و يموت .
4 – عدم مراعاه الانظمه و القوانين : قد يرى المشرع ان سلوكا معينا يهدد
ارتكاب الجريمه فيحظره توقيا من ارتكاب الجرائم. و من هذا القبيل اللوائح و الانظمه و
القوانين العامه كلوائح تنظيم المدن , و يعد سلوك الجاني المخالف لهذه الانظمه سلوكا خاطئا
, فاذا كان القانون يرتب جزاءا على هذا الخطا فيعد الجاني عند ارتكابه قد ارتكب
جريمه مخالفه هذه القوانين. كتجاوز السرعه المسموح بها لقياده السياره.
ملاحظه : يذهب الراي الغالب في الفقه الى القول بان صور الخطا السابقه الذكر قد
وردت على سبيل الحصر و ليس على سبيل المثال , و لذا وجب على القاضي
عندما يحكم في جريمه غير عمديه ان يثبت انطواء الخطا غير العمدي المنسوب الى الجاني
في احدى صور الخطا المذكوره.
وذهب راي مخالف في الفقه الى القول بان صور الخطا قد وردت على سبيل المثال
و ليس على سبيل الحصر , مستندا في ذلك الى نصوص القانون, ذلك ان النصوص
القانونيه العديده التي ذكرت الخطا قد اوردت صوره على نحو مختلف فيما بينها, ففي بعض
المواد نجد صوره واحده للخطا , و في مواد اخرى نجد صورتين او ثلاثه, في
حين ان قليلا منها ما يجمع بين صور الخطا كلها, و لهذا من الخطا القول
بان نطاق الخطا يتسع و يضيق تبعا للصور الوارده في النصوص, فالخطا هو الخطا و
ذكر صوره قد جاء على سبيل المثال لا على سبيل الحصر.
(1)- ا/ عبد الله سليمان: المرجع السابق – ص: 272
(2)- د/ منصور رحماني: المرجع السابق – ص: 119
10
*ثانيا* : عناصر الخطا :
يشترط لقيام الخطا توافر عنصرين :
** 1 – الاخلال بواجبات الحيطه و الحذر :
يفترض القانون ان الحياه الاجتماعيه تتطلب ان يكون الفرد على قدر من الحذر في تصرفاته
, فلا يقدم على عمل او سلوك يحقق نتيجه اجراميه , وقد لا يحيط القانون
بكل ما يتوجب على الفرد ان يراعيه في حياته اليوميه , فيصبح عندئذ لا مفر
من اللجوء الى الخبره الانسانيه العامه لتحديد القواعد الواجب مراعاتها.
*** المعيار الواجب الاخذ به لتحديد هذا العنصر في الخطا:
انقسم الفقه حول مساله التمييز بين التصرفات التي يمكن ان تعد اهمالا او عدم احتياط
و بين التصرفات التي لا تعد كذلك الى فريقين :
ا – المعيار الشخصي : يقتضي هذا المعيار ضروره النظر الى الشخص المسند له الخطا
و الى ظروفه الخاصه , فاذا كان من الممكن تفادي سلوكه الاجرامي بالنظر لظروفه و
صفاته الخاصه عد الفاعل مخطئا , اما اذا كان هذا الشخص بظروفه و صفاته لا
يمكنه تفادي العمل المنسوب اليه عد الفاعل غير مقصر و لا مخطئ .
ب- المعيار الموضوعي : يقتضي هذا المعيار وجوب المقارنه بين ما صدر عن الشخص المخطئ
و ما كان يمكن ان يصدر عن شخص اخر متوسط الحذر و الاحتياط , وضع
في مثل ظروفه , فاذا وجدنا ان هذا الشخص العادي المتوسط الحذر كان سيقع فيما
وقع فيه المتهم , فلا مجال لمساءلته لانه ليس مهملا , اما اذا لم يقع
ذلك الشخص العادي المتوسط الحذر في ما وقع فيه المتهم فعندئذ يعد مهملا و يسال
عن الجريمه .
ان الفقه على العموم يميل الى الاخذ بالمعيار الموضوعي ( المادي ) لتقدير قيام الخطا
مع مراعاه الظروف الشخصيه للمتهم من اجل تقدير الجزاء العادل.
** 2- العلاقه النفسيه بين الاراده و النتيجه :
تقتضي مسووليه المتهم عن عمله الخاطئ ان تتوافر علاقه بين ارادته و النتيجه التي حصلت
, هذه العلاقه قد تكون ضعيفه في حالات معينه , و قد تكون اشد او
اقل ضعفا في حالات اخرى , تبعا لامكانيه توقع النتيجه او عدم امكانيه توقعها.(1)
(1)- ا/ عبد الله سليمان: المرجع السابق – ص: 274 , 275 , 276
11
ا – في حاله عدم توقع النتيجه :
قد يقوم الشخص بسلوكه دون ان يتوقع النتيجه التي يمكن ان يودي اليها سلوكه الاجرامي
, و مع ذلك فانه يسال عن النتيجه التي حصلت اذا كان بامكانه مع التبصر
و الحيطه ان يتوقع النتيجه , اذ بامكانه عندئذ ان يتجنب النتيجه الضاره , فالاراده
هنا مخطئه لانها لم تتجنب الشر و كان بوسعها ذلك , واذا ثبت ان اراده
الفاعل لم تتوقع النتيجه و لم يكن بمقدورها ذلك , او انها لم تتجنب النتيجه
لانها لم تكن قادره على تجنبها , فان الرابطه بين الاراده و النتيجه في مثل
هذه الحاله تنقطع و لا تقوم الجريمه غير العمديه.
ب – في حاله توقع النتيجه :
تكون العلاقه بين الاراده و النتيجه الاجراميه في هذه الحاله اقوى من حاله عدم توقع
النتيجه , فالفاعل هنا يتوقع النتيجه الاجراميه , و لكنه يحسب ان بوسعه تجنبها فيقوده
هذا التقدير الخاطئ الى ارتكاب الجريمه غير العمديه , و يوصف الخطا هنا على انه
خطا واعي او خطا مع التبصر , ذلك ان الجاني لم يفاجا تماما بالنتيجه لانه
كان قد توقعها و كان يحسب ان بمقدوره تجنبها فاعتمد على احتياط غير كاف للحيلوله
دون حدوثها.
المطلب الثالث : انواع الخطا غير العمدي
يميز الفقه بين عده انواع من الخطا تتمثل في :
*اولا* : الخطا المادي و الخطا الفني :
الخطا المادي هو الاخلال بالالتزام المفروض على الناس كافه باتخاذ العنايه اللازمه عند القيام بسلوك
معين او اتيان فعل ما لتجنب ما قد يودي هذا السلوك من نتيجه غير مشروعه
, و الخطا الفني يتمثل في اقتراف رجل الفن او صاحب المهنه خطا مهنيا .
ان المعيار الذي يهتدى به في مجال الخطا المادي و الخطا الفني هو معيار رجل
المهنه العادي الذي يوضع في نفس ظروف المتهم , فاذا كان سلوكه يتفق مع سلوك
المتهم فعندها لا يوصف عمل المتهم بالخطا , اما اذا كان اختلف معه فيوصف عمل
المتهم عندئذ بانه عمل خاطئ و يتحمل مسووليته عن جريمه غير عمديه. (1)
(1)- ا/ عبد الله سليمان: المرجع السابق – ص: 280
12
*ثانيا* : الخطا الجسيم و الخطا اليسير :
الخطا الجسيم هو الخطا الواضح الذي يستطيع ان شخص ان يتوقعه , اما الخطا اليسير
فهو اقل وضوحا وان كان باستطاعه الشخص العادي توقعه , في حين يكون الخطا يسيرا
جدا حيث تتطلب استطاعه توقعه تبصرا غير عادي. و يعتبر القانون من اخطا مسوولا و
لو كان خطوه يسيرا , و ان كان من العدل ان يلجا القاضي ضمن حدود
سلطته التقديريه الى تشديد عقوبه من يرتكب الخطا الجسيم.
*ثالثا* : الخطا الجنائي و الخطا المدني :
ان الخطا مهما تضاءل ( الخطا التافه او اليسير جدا ) يصلح لان يرتب المسووليه
المدنيه , و لكنه لا يصلح لترتيب المسووليه الجنائيه التي تتطلب خطا اكثر جسامه. (1)
- الركن المعنوي للجريمة
- بحث حول الركن المعنوي للجريمة
- بحث الركن المادي ذ
- بحث عن الركن المعنوي للجريمة
- الركن المعنوي في الجريمة
- الركن المعنوي
- بحث حول الركن المعنوي
- الركن المعنوي تعريف
- الركن المعنوي في الجريمة
- الركن الثاني ـ القصد الإجرامي الأردن